غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

101

ثم لما بين أنهم ليسوا مظاهر اللطف وكان قد بنى الأمر في جوابهم ، على تسليم ما ادعى الخصم من أنه يتعلم من ذلك البشر ، أراد أن يبين أن الذي قالوا غير صحيح ولا صادق في نفس الأمر فقال : { إنما يفتري الكذب } ، وفيه أيضاً رد لقولهم : { إنما أنت مفتر } ، الافتراء ، { وأولئك } ، إشارة إلى قريش ، أو إلى الذين لا يؤمنون ، أي : هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون أي : هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب ؛ لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب ، أو هم الذين من شأنهم الكذب وذلك هجيراهم لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين ، أو أولئك هم الكاذبون في قولهم : { إنما أنت مفتر } [ النحل : 101 ] ، ومما يدل على كذبهم عقلاً أنهم أعداء له ، وكلام العدا ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتهم . وأيضاً إن أمر التعليم والتعلم لا يتم في مجلس واحد ، ولكنه يحتاج إلى أزمنة متمادية ، ولو كان كذلك لاشتهر وانتشر . وأيضاً إن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة ، والمعلم يجب أن يكون أعلى حالاً من المتعلم . فلو كان مثل هذا العالم الذي يتعلم منه مثل النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً في ذلك العصر لم يخف حاله ومال الناس إليه دون النبي . قال بعض علماء المعاني : عطف الجملة الاسمية التي هي قوله : { وأولئك هم الكاذبون } ، على ما قبلها وهي فعلية ، دالة على أن من أقدم على الكذب فإنه دخل في الكفر ، تنبيهاً على أن صفة الكفر فيهم ثابتة راسخة كما تقول : كذبت وأنت كاذب . زيادة في الوصف بالكذب على سبيل الاستمرار والاعتياد . ولا افتراء أعظم من إنكار الإلهية والنبوة . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : هل يكذب المؤمن ؟ قال : لا . وقرأ هذه الآية .

/خ128