ثم إنه تعالى بين كونهم كذابين في ذلك القول فقال : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المقصود منه أنه تعالى بين في الآية السابقة أن الذي قالوه بتقدير أن يصح لم يقدح في المقصود ، ثم إنه تعالى في هذه الآية أن الذي قالوه لم يصح وهم كذبوا فيه ، والدليل على كونهم كاذبين في ذلك القول وجوه : الأول : أنهم لا يؤمنون بآيات الله وهم كافرون ، ومتى كان الأمر كذلك كانوا أعداء للرسول صلى الله عليه وسلم وكلام العدا ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتهم . والثاني : أن أمر التعلم لا يتأتى في جلسة واحدة ولا يتم في الخفية ، بل التعلم إنما يتم إذا اختلف المعلم إلى المتعلم أزمنة متطاولة ومددا متباعدة ، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر فيما بين الخلق أن محمدا عليه السلام يتعلم العلوم من فلان وفلان . الثالث : أن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة وتعلمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم في غاية الفضل والتحقيق ، فلو حصل فيهم إنسان بلغ في التعليم والتحقيق إلى هذا الحد لكان مشارا إليه بالأصابع في التحقيق والتدقيق في الدنيا ، فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية والمباحث النفيسة من عند فلان وفلان ؟
واعلم أن الطعن في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمثال هذه الكلمات الركيكة يدل على أن الحجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة باهرة ، فإن الخصوم كانوا عاجزين عن الطعن فيها ، ولأجل غاية عجزهم عدلوا إلى هذه الكلمات الركيكة .
المسألة الثانية : في هذه الآية دلالة قوية على أن الكذب من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش والدليل عليه أن كلمة «إنما » للحصر ، والمعنى : أن الكذب والفرية لا يقدم عليهما إلا من كان غير مؤمن بآيات الله تعالى ، وإلا من كان كافرا وهذا تهديد في النهاية .
فإن قيل : قوله : { لا يؤمنون بآيات الله } فعل وقوله : { وأولئك هم الكاذبون } اسم وعطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية قبيح فما السبب في حصوله ههنا ؟
قلنا : الفعل قد يكون لازما وقد يكون مفارقا ، والدليل عليه قوله تعالى : { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين } ذكره بلفظ الفعل ، تنبيها على أن ذلك السجن لا يدوم . وقال فرعون لموسى عليه السلام : { لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين } ذكره بصيغة الاسم تنبيها على الدوام ، وقال أصحابنا : إنه تعالى قال : { وعصى آدم ربه فغوى } ولا يجوز أن يقال إن آدم عاص وغاو ، لأن صيغة الفعل لا تفيد الدوام ، وصيغة الاسم تفيده .
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : قوله : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } ذكر ذلك تنبيها على أن من أقدم على الكذب فكأنه دخل في الكفر ، ثم قال : { وأولئك هم الكاذبون } تنبيها على أن صفة الكذب فيهم ثابتة راسخة دائمة . وهذا كما تقول : كذبت وأنت كاذب فيكون قولك وأنت كاذب زيادة في الوصف بالكذب . ومعناه : أن عادتك أن تكون كاذبا .
المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أن الكاذب المفتري الذي لا يؤمن بآيات الله والأمر كذلك ، لأنه لا معنى للكفر إلا إنكار الإلهية ونبوة الأنبياء ، وهذا الإنكار مشتمل على الكذب والافتراء . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : هل يكذب المؤمن ؟ قال : " لا " ثم قرأ هذه الآية ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.