{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ } أي : فريق الأشقياء ، وفريق السعداء . { كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ } هؤلاء الأشقياء ، { وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ } مثل السعداء .
{ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } لا يستوون مثلا ، بل بينهما من الفرق ما لا يأتي عليه الوصف ، { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } الأعمال ، التي تنفعكم ، فتفعلونها ، والأعمال التي تضركم ، فتتركونها .
( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع . هل يستويان مثلا ؟ ) . .
صورة حسية تتجسم فيها حالة الفريقين . والفريق الأول كالأعمى لا يرى وكالأصم لا يسمع - والذي يعطل حواسه وجوارحه عن الغاية الكبرى منها ، وهي أن تكون أدوات موصلة للقلب والعقل ، ليدرك ويتدبر فكأنما هو محروم من تلك الجوارح والحواس - والفريق الثاني كالبصير يرى وكالسميع يسمع ، فيهديه بصره وسمعه .
سؤال بعد الصورة المجسمة لا يحتاج إلى إجابة لأنها إجابة مقررة .
فالقضية في وضعها هذا لا تحتاج إلى أكثر من التذكر . فهي بديهية لا تقتضي التفكير . .
وتلك وظيفة التصوير الذي يغلب في الأسلوب القرآني في التعبير . . أن ينقل القضايا التي تحتاج لجدل فكري إلى بديهيات مقررة لا تحتاج إلى أكثر من توجيه النظر والتذكير . .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَىَ وَالأصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكّرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : مثل فريقي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئا ، والأصمّ الذي لا يسمع شيئا فكذلك فريق الكفر لا يُبصر الحقّ فيتبعه ويعمل به ، لشغله بكفره بالله وغَلَبة خِذلان الله عليه ، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به ، فهو مقيم في ضلالته ، يتردّد في حَيرته . والسميع والبصير ، فكذلك فريق الإيمان أبصر حُجج الله ، وأقرّ بما دلت عليه من توحيد الله والبراءة من الاَلهة والأنداد ونبوّة الأنبياء عليهم السلام ، وسمع داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ قال : الأعمى والأصمّ : الكافر ، والبصير والسميع : المؤمن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ : الفريقان الكافران ، والمؤمنان ، فأما الأعمى والأصمّ فالكافران ، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ . . . . الآية ، هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن ، فأما الكافر فصمّ عن الحقّ فلا يسمعه ، وعمي عنه فلا يبصره . وأما المؤمن فسمع الحقّ فانتفع به وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به .
يقول تعالى : هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً يقول : هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيها الناس ؟ فإنهما لا يستويان عندكم ، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند الله . أفَلا تَذَكّرُونَ يقول جلّ ثناؤه : أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون ، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما ، فتنزجروا عما أنتم عليه من الضلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان ؟ فالأعمى والأصم والبصير والسميع في اللفظ أربعة ، وفي المعنى اثنان ، ولذلك قيل : هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً وقيل : كالأعمى والأصمّ ، والمعنى : كالأعمى الأصمّ ، وكذلك قيل : والبصير والسميع ، والمعنى : البصير السميع ، كقول القائل : قام الظريف والعاقل ، وهو ينعت بذلك شخصا واحدا .
و «الفريقان » الكافرون والمؤمنون : شبه الكافر ب { الأعمى والأصم } ، وشبه المؤمن ب { البصير والسميع } فهو على هذا تمثيل بمثالين . وقال بعض المتأولين : التقدير كالأعمى الأصم والبصير السميع ودخلت واو العطف كما تقول : جاءني زيد العاقل والكريم ، وأنت تريده بعينه ؛ فهو على هذا تمثيل بمثال واحد{[6300]} .
و { مثلاً } نصب على التمييز . ويجوز أن يكون حالاً{[6301]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.