تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞مَثَلُ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ كَٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡأَصَمِّ وَٱلۡبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (24)

18

المفردات :

مثل الفريقين : أي : المؤمن والكافر .

كالأعمى والأصم : فالكافر أعمى عن رؤية الحق ، أصم ، أطرش لا يسمع الحق .

والبصير والسميع : هذا مثل المؤمن .

هل يستويان مثلا : هل يستويان تمثيلا وحالا .

أفلا تذكرون : أي : أفلا تتذكرون ، حذف إحدى التاءين ؛ تخفيفا .

التفسير :

24 { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } .

أي : صفة الفريقين المذكورين اللذين وصفا سابقا ، وهم الكفار بالشقاء ، والمؤمنون بالسعادة ، كمثل الأعمى الأصم ، والسميع البصير ، الكافر : مثل الأعمى ؛ لتعاميه عن وجه الحق في الدنيا والآخرة ؛ ومثل الأصم ؛ لعدم سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به ؛ لقد أغلق مفاتيح قلبه ، وتركه مظلما لا يسمع الهدى ، ولا يبصر نور الحق حتى فاجأه الموت فرأى الخسران المبين ، ورأى جهنم تتلظى ؛ غيظا على من عصى الله تعالى .

أما المؤمن فهو الذي يبصر آيات الله في هذا الكون ، ويتأمل دلائل قدرة الله ، ويسمع صوت الحي ، والقرآن في تدبر وتأمل ؛ فيخشع قلبه ويزداد حيا لخالقه ورضي عنه ؛ فإذا جاء في الآخرة وجد رضوان الله ونعيم الجنة ، فلا يستوي هذا وذاك صفة وحالا ومالا .

{ أفلا تذكرون } . وتعتبرون ؛ فيسارع الكافر إلى الإيمان قبل فوات الأوان .

من آيات القرآن

قال تعالى : { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } . ( الحشر : 20 ) .

وقال سبحانه : { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } . ( فاطر : 19 22 ) .

وفي ختام هذا الحديث المتنوع عن أدلة الوحدانية ، وعن إعجاز القرآن الكريم ، وعن حسن عاقبة المؤمنين وعن سوء عاقبة المكذبين ؛ ساق القرآن قصصا عن أنبياء الله ورسله ، استغرق معظم السورة ، وفي هذا القصص نماذج عملية على جهاد المرسلين ، وحسن عاقبة المؤمنين ، وهلاك الظالمين ؛ ففيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتثبيت للمؤمنين ، نجد ذلك في قصة نوح ، ثم قصة هود ، وقصة صالح ، وقصة إبراهيم ، وقصة لوط ، وقصة شعيب ، وقصة موسى عليهم السلام .

قصة نوح عليه السلام

وردت قصة نوح في سور متعددة ، منها : سورة الأعراف ، وسورة المؤمنون ، وسورة نوح ، إلا أنها وردت هنا في سورة هود بصورة أكثر تفصيلا .

وسورة هود نزلت بعد سورة يونس ، وسورة يونس نزلت بعد سورة الإسراء ، وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة وشهرين ، وذلك يوضح الفترة التي نزلت فيها سورة هود ، إنها الفترة التي مات فيها أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وماتت فيها زوجته خديجة ، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم عام وفاتها : عام الحزن ؛ ذلك أن قريشا لم تستطع أن تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا بعد أن مات عمه أبو طالب ، وكان أبو طالب هو الوحيد في قومه الذي يحميه ويدافع عنه .

كانت سورة هود ، رسالة تشد أزر الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففي مقدمتها عرض يسير للدعوة الإسلامية ؛ وأصناف الناس أمامها ، وتثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي قصص الأنبياء حسب التسلسل التاريخي ، نوح ثم هود ، ثم صالح ، ثم إبراهيم ، ثم لوط ، ثم شعيب ، كما تحدثت عن جانب من قصة موسى عليه السلام .

وجميع هؤلاء الرسل كان لهم جهاد وجلاد ومناقشة مع أقوالهم ؛ وتحمل لألوان من العذاب والاضطهاد وفي الخاتمة ينصر الله المؤمنين ويهلك الكافرين .

نوح عليه السلام

أرسل الله نوحا إلى قومه فوجد أنهم يعبدون الأصنام ، وكانت في الأصل صورا لقوم صالحين وتماثيل لهم ؛ أراد القوم أن يتذكروهم ويقتدوا بهم ، فلما طال العهد عبدوهم ، وتقربوا إليهم ، وهم : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وفي قصة نوح بلاء نوح مع ابنه ، ودعوته له إلى الإيمان ، وإعراض الابن عن دعوة نوح ، ومجيء الطوفان ، وغرق الابن ، ودعاء نوح لربه حتى ينجيه ، ثم توضيح الله سبحانه بأن هذا الابن لا يستحق نجاة ؛ لأنه عمل عملا غير صالح ، ويعود نوح إلى يقينه وطمأنينته ، ويستعيذ بالله مما سبق ، ويطلب من الله المغفرة والرحمة ، ويستجيب الله دعائه ، و يهيئ له سبل النجاة وسلامة الإقامة .

وفي هذا القصص وأمثاله عبرة وعظة ، وتصديق لما ورد منه في التوراة والإنجيل ، وتفصيل لتاريخ الرسل وكفاحهم ، وتسجيل لجهادهم ، وتسرية لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتثبيت للمؤمنين ، وتبصير للكافرين .