تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞مَثَلُ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ كَٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡأَصَمِّ وَٱلۡبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (24)

وقوله تعالى : ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ) أي الصنفين[ من م ، في الأصل : صنفين ] اللذين سبق وصفهما ، وهو قوله ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها )[ الآية : 15 ] فهو وصف الكافر والفريق الآخر قوله : ( أفمن كان على بينة من ربه ) إلى آخر ما ذكر [ الآية : 17 ] وفيه وصف المؤمن .

أو يكون وصف الكافر ما ذكر ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ) إلى قوله : ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ )[ الآيات : 18-21 ] هو وصف أحد الفريقين ، وهم الكفار .

والفريق الآخر ما ذكر : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ )[ الآية : 23 ] .

هذا ، والله أعلم ، [ وصف ][ ساقطة من الأصل وم ] الفريقين اللذين ضرب مثلهما بالأعمى والبصير والسميع [ والأصم ][ ساقطة من الأصل وم ] . ثم وجه ضرب مثل الكافر بالأعمى والأصم ، والمؤمن بالبصير والسميع .

فهو ، والله أعلم ، أن الكافر أعمى القلب وأصم السمع ، لم يبصر ما غاب عنه من الموعود ، ولا يسمع ما غاب عنه من الموعود ، وإنما أبصر ظواهر الأمر ، وكذلك إنما سمع ظواهر من الأمور وباديها ، لم ينظر إلى الغائب [ من الموعود ، ولا يسمع ذلك ، وهو لم يخلق لمعرفة ذلك الظاهر خاصة ، وإنما خلق لما وعد ][ في م : وعدوا ] في الغائب .

والمؤمن أبصر ذلك الغائب ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وسمع ما غاب من الموعود ، فيقول : كما يستوي[ في الأصل وم : يسبق ] عندكم في الظاهر البصير والأعمى والسميع والأصم ، لم يسو[ في الأصل وم : يستو ] من كان عمي القلب بمن[ في الأصل وم : بما ] كان بصير القلب بذلك ، ولم يسو[ في الأصل وم : يستو ] أيضا من به صمم القلب بمن كان سميعا بذلك ( أفلا تذكرون ) أنهما لم يستويا[ في الأصل وم : يستويان ] .

أو يقول : ( أفلا تذكرون ) أي أفلا تتعظون بما نزل من القرآن [ وتنتهون عما تنهون ][ في الأصل وم : وتنهون عما تنتهون ] ؟ والله أعلم .

وفي قوله : ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) وجوه من الأسئلة :

أحدها : أن يقال : كيف احتج عليهم ، [ وهم على ][ في الأصل وم : وهو ] ما ذكر أنهم عميان وصم أو كالعميان والصم ، ولا يكلف الأعمى الإبصار والنظر ولا الأصم السماع ؟

والثاني : [ كيف ][ ساقطة من الأصل وم ] يقولون إنا بصراء وسمعاء ، ليس بنا صمم ولا عمى ، بل أنتم العميان والصم ؟ /238-ب/ .

والثالث : كيف ذكر المثل لهم ، وهم لا يتفكرون ، ولا ينظرون في المثل ولا يلتفتون إليه ؟

أما جواب الأول بأنه احتج عليهم لأنهم تركوا اكتساب بصر الآخرة[ من م ، فالأصل : الآخر ] وسماع سمع الآخرة ، فنفى عنهم السمع و البصر والحياة [ فهو ][ ساقطة من الأصل وم ] لأنه يبصر المخلوق فيكتسب بصرا في الدين وسمعا في أمر الدين وحياة الدين [ فصير بذلك ][ في الأصل : مكتسب ، في م : فيصير بذلك مكتسب ] مكتسبا الحياة الدائمة والبصر الدائم والسمع الدائم ، فيكونون في الآخرة بصراء سمعاء أحياء كقوله : ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )[ الأنفال : 24 ] .

نفى منهم هذه الحواس لأنهم لم ينتفعوا بها لأن هذه الحواس إنما أنشئت لهم ، وخلقت ، لينتفعوا بها وهو المقصود بإنشائها . فإذا تركوا الانتفاع بها [ صارت ][ ساقطة من الأصل وم ] كأنها ليست لهم .

وأما جواب [ الثاني وهو ][ ساقطة من الأصل وم ] ما قالوا : إنا بصراء وسمعاء ، وأنتم العميان والصم ، [ ففيه وجهان :

أحدهما يقال ][ في الأصل وم : فيقال ] لهم إن أهل الإسلام إذا سمعوا ذلك فقد[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] اشتغلوا بالتفكر في ما قرع أسماعهم من الآيات والنظر فيها ، وأنتم [ لا ، بل تعاميتم عنها ، وتصاممتم . ودل ][ في الأصل : تعاموا عنها وتصاموا فدل ، في م : لا بل تعاموا عنها وتصاموا فذل ] تفكيرهم ونظرهم فيها على أنهم بصراء وسمعاء وأحياء ، وأنتم يا أهل الكفر العميان والصم والأموات .

والثاني : أن هذه الآيات إنما نزلت في محاجة أهل الكتاب ، وهم قد علموا أن آباءهم لم يكونوا حكماء ولا [ علماء ، ولم ][ في الأصل وم : عالما فلم ] يكونوا ما ذكر بصراء ولا أحياء ولا سمعاء ، فصاروا صما عميانا أمواتا .

ولأن أحد الفريقين لا محالة ما ذكر ، نحن أو هم ، ثم قد استووا في هذه الدنيا وفي العقل والحكمة التفريق بينهما ، دل[ في الأصل وم : فدل ] أنهم بما ذكر أولى .

وأما جواب ذكر المثل لهم على علم منهم أنهم لا يقبلون المثل ، ولا ينظرون [ فيه ، فهو لأنه ][ في الأصل وم : بأنه ] ذكر لأهل الإسلام ولأن ذكر المثل أنهم ربما يبعثهم على النظر فيه والتفكر .