{ 83 - 84 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا }
وهذا من عقوبة الكافرين أنهم -لما لم يعتصموا بالله ، ولم يتمسكوا بحبل الله ، بل أشركوا به ووالوا أعداءه ، من الشياطين- سلطهم عليهم ، وقيضهم لهم ، فجعلت الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزا ، وتزعجهم إلى الكفر إزعاجا ، فيوسوسون لهم ، ويوحون إليهم ، ويزينون لهم الباطل ، ويقبحون لهم الحق ، فيدخل حب الباطل في قلوبهم ويتشربها ، فيسعى فيه سعي المحق في حقه ، فينصره بجهده ويحارب عنه ، ويجاهد أهل الحق في سبيل الباطل ، وهذا كله ، جزاء له على توليه من وليه وتوليه لعدوه ، جعل له عليه سلطان ، وإلا فلو آمن بالله ، وتوكل عليه ، لم يكن له عليه سلطان ، كما قال تعالى :
{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }
ثم بين - عز وجل - أن هؤلاء الكافرين قد استحوذت عليهم الشياطين فزادتهم كفرا على كفرهم ، فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } .
والاستفهام للتقرير والتأكد و { تَؤُزُّهُمْ } تحركهم تحريكا قويا . وتهزهم هزا شديداً ، وتحرضهم على ارتكاب المعاصى والموبقات حتى يقعوا فيها .
يقال : أز فلان الشىء يئزه ويؤزه . . . بكسر الهمزة وضمها أزا ، إذا حركه بشدة ، وأز فلان فلانا ، إذا أغراه وهيجه وحثه على فعل شىء معين ، وأصله من أزت القدر تؤز أزيزا ، إذا اشتد غليان الماء فيها .
والمعنى : لقد علمت أنت وأتباعك أيها الرسول الكريم ، أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ، وسلطناهم عليهم ، وقيضناهم لهم ، لكى يحضوهم على ارتكاب السيئات ، ويحركوهم تحريكا شديداً نحو الموبقات حتى يقترفوها وينغمسوا فيها . . .
وما دام الأمر كذلك . فذرهم فى طغيانهم يعمهون ، ولا تتعجل وقوع العذاب بهم . فإن الله - تعالى - قد حدد - بمقتضى حكمته - وقتا عينا لنزول العذاب بهم .
وقوله : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } يعنى الأيام والليالى والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب . . . وقال الضحاك : نعد أنفسهم وقال قطرب : نعد أعمالهم عدا .
روى أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه ، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ، ولم يكن له مدد ، فما أسرع ما تنفد ، وقيل فى هذا المعنى :
حياتك أنفاس تعد فكلما . . . مضى نفس منك انتقصت به جزءا
يميتك ما يحييك فى كل ليلة . . . ويحدوك حاد ما يريد به الهزءا
وكان ابن عباس - رضى الله عنهما - إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد : خروج نفسك . آخر العدد : فراق أهلك آخر العدد : دخول قبرك .
وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : تغويهم إغواء .
وقال العوفي عنه : تحرضهم على محمد وأصحابه .
وقال مجاهد : تُشليهم إشلاء{[19127]} .
وقال قتادة : تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله .
وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالا .
وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] .
وقوله { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } الآية ، الرؤية في الآية رؤية القلب ، و { أرسلنا } معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطان{[8044]} وتعديته ب { على } دال على أن تسليط ، و { تؤزهم } معناه تغليهم وتحركهم الى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجاً ، قال ابن زيد : تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل »{[8045]} .
استئناف بياني لجواب سؤال يجيش في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من إيغال الكافرين في الضلال جماعتهم وآحادهم ، وما جرّه إليهم من سوء المصير ابتداء من قوله تعالى : { ويقول الإنسان أإذا ما مِتّ لسوف أخرج حياً } [ مريم : 66 ] ، وما تخلل ذلك من ذكر إمهال الله إياهم في الدنيا ، وما أعد لهم من العذاب في الآخرة . وهي معترضة بين جملة { واتخذوا من دون الله آلهة } [ مريم : 81 ] وجملة { يوم نحشر المتقين } [ مريم : 85 ] . وأيضاً هي كالتذييل لتلك الآيات والتقرير لمضمونها لأنها تَستخلص أحوالهم ، وتتضمن تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن إمهالهم وعدم تعجيل عقابهم .
والاستفهام في { ألم تر } تعجيبي ، ومثله شائع في كلام العرب يجعلون الاستفهام على نفي فعل . والمراد حصول ضده بحثّ المخاطب على الاهتمام بتحصيله ، أي كيف لم تر ذلك ، ونزّل إرسال الشياطين على الكافرين لاتضاح آثاره منزلة الشيء المرثي المشاهد ، فوقع التعجيب من مَرآه بقوله : ألم تر ذلك .
والأزُّ : الهزّ والاستفزاز الباطني ، مأخوذ من أزيز القدر إذا اشتد غليانها . شبه اضطراب اعتقادهم وتناقض أقوالهم واختلاق أكاذيبهم بالغليان في صعود وانخفاض وفرقعة وسكون ، فهو استعارة فتأكيده بالمصدر ترشيح .
وإرسال الشياطين عليهم تسخيرهم لها وعدم انتفاعهم بالإرشاد النبّوي المنقد من حبائلها ، وذلك لكفرهم وإعراضهم عن استماع مواعظ الوحي . وللإشارة إلى هذا المعنى عُدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله { على الكافرين } . وجعل { تؤزهم } حالاً مقيّداً للإرسال لأنّ الشياطين مرسلة على جميع الناس ولكن الله يحفظ المؤمنين من كيد الشياطين على حسب قوّة الإيمان وصلاح العمل ، قال تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } [ الحجر : 42 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.