اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أنّا أَرْسَلْنَا } الآية{[22519]} .

لمَّا ذكر حال هؤلاء الكفار{[22520]} مع الأصنام في الآخرة ذكر بعده حالهم مع الشياطين في الدنيا ، وأنهم يتولونهم وينقادون لهم ، فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين } احتج أهل السنة بهذه الآية على أنَّ الله -تعالى- سلَّطهم{[22521]} عليهم لإرادة أن يستولوا عليهم ، ويتأكد هذا بقوله { تؤزُّهُم أزًّا } فإن معناه لتؤزُّهُم أزاً ، ويتأكد بقوله{[22522]} : { واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ }{[22523]} {[22524]} .

قال القاضي : حقيقة اللفظ{[22525]} توجب أنه تعالى أرسل الشياطين إلى الكفار كما أرسل الأنبياء ، بأن حملهم رسالة يؤدونها إليهم{[22526]} ، ولا يجوز في تلك الرسالة إلا ما أرسل عيله الشياطين من الإغواء ، فكان يجب في{[22527]} الكفار أن يكونوا بقبولهم من الشياطين مطيعين ، وذلك كفر من قائله ، ولأن{[22528]} من العجب تعلق المجبرة بذلك ، لأن عندهم أن ضلالهم{[22529]} من قبله -تعالى- خلق فيهم الكفر وقدر الكفر ، فلا تأثير لما لا يكون من الشياطين . وإذا بطل حمل اللفظ على ظاهره فلا بد من التأويل ، فنحمله على أنه -تعالى- خلَّى بين الشياطين وبين الكفار ، وما منعهم من إغوائهم{[22530]} ، وهذه التخلية تسمى إرسالاً في سعة اللغة ، كما إذا لم يمنع الرجل كلبه من دخول بيت جيرانه يقال{[22531]} : أرسل كلبه علينا ، وإن لم يرد أذى الناس .

وهذه التخلية وإن لم يكن فيها تشديد{[22532]} للمحنة عليهم{[22533]} فهم متمكنون{[22534]} بأن لا يقبلوا منهم ، ويكون ثوابهم على ترك القبول أعظم ، والدليل عليه قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ }{[22535]} .

قال ابن الخطيب{[22536]} : وهذا لا يمكن حمله على ظاهره ، فإنَّ قوله : الشياطين لو أرسلهم الله -تعالى{[22537]}- إلى الكفار " لكان الكفار مطيعين له بقبول قول الشياطين .

قلنا : الله{[22538]} -تعالى- ما أرسل الشياطين إلى الكفار{[22539]} " بل أرسلهم عليهم ، والإرسال عليهم هو التسليط لإرادة أن يصير مستولياً عليه{[22540]} ، فأين هذا من الإرسال إليهم{[22541]} .

وقوله : ضلال الكافر من قبل الله -تعالى- ، فأي تأثير للشياطين فيه .

قلنا : لِمَ لا يجوز أن سماع{[22542]} الشياطين إياه تلك{[22543]} الوسوسة يوجب في قلبه الضلال بشرط سلامة فهم السامع ، لأن كلام الشياطين{[22544]} " من خلق الله -تعالى- فيكون ذلك الضلال الحاصل في قلب الكافر منتسباً إلى الشيطان ، وإلى الله -تعالى- من هذين الوجهين . وقوله : لِمَ لا يجوز أن يكن الإرسال التخلية .

قلنا : كما خلَّى بين الشياطين والكفرة{[22545]} " فقد خلَّى بينهم وبين الأنبياء ، ثم إنه -تعالى- خص الكافر بأنه أرسل الشياطين عليه ، فلا بد من فائدة زائدة ههنا .

ولأن قوله { تؤزُّهُمْ أزًّا } أي : تحركهم تحريكاً شديداً ، فالغرض{[22546]} من ذلك الإرسال موجب{[22547]} أن يكون ذلك الأزُّ مراداً لله -تعالى- إذ يحصل المقصود منه{[22548]} .

قوله{[22549]} : { أزًّا } مصدر مؤكد . والأزُّ ، والأزيزُ ، والاستفزاز . قال الزمخشري : أخوات وهو التهيج وشدة الإزعاج ، أي{[22550]} : تغريهم على المعاصي ، وتهيجهم لها بالوساوس{[22551]} .

قال ابن عباس : " تَؤزُّهُمْ أزًّا " أي : تزعجهم في المعاصي إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية{[22552]} .

والأزُّ أيضاً : شدة الصوت ، ومنه : أزَّ المِرْجَلُ{[22553]} أزًّا وأزيزاً ، أي : غلا واشتد غليانه حتى سمع له صوت{[22554]} ، وفي الحديث " فكَان له أزيزٌ " أي للجذع حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم .


[22519]:الآية: سقط من ب، وكتبت الآية كاملة.
[22520]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/252.
[22521]:في ب: سلط.
[22522]:يقوله: سقط من ب.
[22523]:"واستفزاز": سقط من الأصل واستدرك بالهامش.
[22524]:[الإسراء: 64].
[22525]:في ب: باللفظ.
[22526]:إليهم: سقط من ب.
[22527]:في ب: على.
[22528]:من: سقط من ب.
[22529]:في ب: ضلاله. وهو تحريف.
[22530]:في ب: وما منع من أحوالهم. وهو تحريف.
[22531]:في ب: فيقال.
[22532]:في النسختين: نسبة.
[22533]:في ب: عليها. وهو تحريف.
[22534]:في ب: متمسكون. وهو تحريف.
[22535]:[إبراهيم: 22]. آخر ما نقله عن الفخر الرازي 21/252.
[22536]:تقدم.
[22537]:تعالى: سقط من ب.
[22538]:في ب: قلنا: القول لله.
[22539]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22540]:في ب: عليهم لا عليه.
[22541]:في النسختين: إليه.
[22542]:في ب: استماع.
[22543]:في ب: بتلك.
[22544]:في ب: الشياطين والكفرة.
[22545]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22546]:في ب: فإن قيل: إنّ الغرض.
[22547]:في ب: يوجب.
[22548]:الفخر الرازي 21/252-253.
[22549]:في ب: قلنا. وهو تحريف.
[22550]:في ب: أن. وهو تحريف.
[22551]:الكشاف: 2/423.
[22552]:انظر القرطبي 11/150.
[22553]:المرجل: القدر من الحجارة والنحاس، وقيل: هو قدر النحاس خاصة، وقيل: هي كل ما طُبخ فيها من قدر وغيرها. اللسان (رجل).
[22554]:انظر اللسان (أزز).