فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين } ذكر الزجاج في معنى هذا وجهين : أحدهما : أن معناه : خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم [ نعصمهم ] منهم ولم نعذهم ، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان } [ الإسراء : 65 ] . الوجه الثاني : أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [ الزخرف : 36 ] فمعنى الإرسال ها هنا : التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس { واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [ الإسراء : 64 ] ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية ، وهو { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } فإن الأزّ والهزّ والاستفزاز معناها : التحريك والتهييج والإزعاج ، فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرّك الكافرين وتهيجهم وتغويهم ، وذلك هو التسليط لها عليهم ، وقيل : معنى الأزّ : الاستعجال ، وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج ، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حالهم ، وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم ، وجملة : { تؤزهم أزّاً } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام ، كأنه قيل : ماذا تفعل الشياطين بهم ؟

/خ95