{ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ } أى : وإذا قيل لهؤلاء المجرمين اركعوا فى الدنيا مع الراكعين ، وأدوا فريضة الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين .
إذا قيل لهم ذلك - على سبيل النصح والإِرشاد - صموا آذانهم ، وأصروا واستكبروا استكبارا ، وأبوا أن يصلوا مع المصلين .
وعبر عن الصلاة بالركوع ، باعتبار أن الركوع من أهم أركانها ، فهو من باب التعبير بالجزء عن الكل .
ثم قرر لهم الإجرام الموجب لتعذيبهم ، وقال من جعل السورة كلها مكية : إن هذه الآية نزلت في المنافقين ، وقال مقاتل : نزلت في ثقيف لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : حط عنا الصلاة فإنا لا ننحني فإنها سبة ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «لا خير في دين لا صلاة فيه »
وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } قيل هي حكاية عن حال المنافقين في الآخرة إذا سجد الناس فأرادوا هم السجود فانصرفت أصلابهم إلى الأرض وصارت فقاراتهم كصياصي البقر ، قاله ابن عباس وغيره ، وقال قتادة في آخرين هذه حال كفار قريش في الدنيا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم وهم لا يجيبون ، وذكر الركوع عبارة عن جميع الصلاة ، هذا قول الجمهور ، وقال بعض المتأولين عنى بالركوع التواضع كما قال الشاعر : [ الطويل ]
ترى الأكم فيها سجداً للحوافر{[11558]}*** أي متذللة ، وتأول قتادة الآية قاصدة الركوع نفسه . وقال : عليكم بحسن الركوع ، والذي أقول إن ذكر الركوع هنا وتخصيصه من بين سائر أحوال العبادة إنما كان لأن كثيراً من العرب كان يأنف من الركوع والسجود ويراها هيئة منكرة لما كان في أخلاقهم من العجرفة ، ألا ترى أن بعضهم قد سئل فقيل له : كيف تقول ؟ استخذأت أو استخذيت ؟ فقال : كل لا أقول . فقيل له لم ؟ قال : لأن العرب لا تستخذي ، فظن أنه سئل عن المعنى ولم يفهم أنه سئل عن اللفظة{[11559]} . وفي كتاب السير عن بعض العرب أنه استعفى متكلماً عن قومه ونفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال له : «لا بد من الصلاة » ، فقال عند ذلك سنؤتيكها ، وإن كانت دناءة .
يجوز أن يكون عطفاً على قوله : { للمكذبين } [ المرسلات : 47 ] ، والتقدير : والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ، فإن ( آل ) الداخلة على الأوصاف المشتقة بمنزلة اسم الموصول غالباً ، ولذلك جعلها النحاة في عداد أسماء الموصول وجعلوا الوصف الداخلة عليه صلةً لها .
ويجوز أن يكون عطفاً على جملة { كُلوا وتمتعوا قليلاً } [ المرسلات : 46 ] والانتقال من الخطاب إلى الغيبة التفات .
وعلى كلا الوجهين فهو من الإِدماج لينعى عليهم مخالفتهم المسلمين في الأعمال الدالة على الإِيمان الباطننِ فهو كناية عن عدم إيمانهم لأن الصلاة عماد الدين ولذلك عُبر عن المشركين ب { الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون : 5 ] .
والمعنى : إذا قيل لهم آمنوا واركعوا لا يؤمنون ولا يَركعون كما كني عن عدم الإِيمان لما حكي عنهم في الآخرة { ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر : 42 44 ] إلى آخره .
ويجوز أن يكون عطفاً على قوله : { إنكم مجرمون } [ المرسلات : 46 ] .
وعلى الوجوه كلها يفيد تهديدهم لأنه معطوف على التكذيب أو على الإِجرام ، وكلاهما سبب للتهديد بجزاء السوء في يوم الفصل .
وليس في الآية دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لعدم تعيُّن معنى المصلين للذين يقيمون الصلاة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد الله أهل التكذيب به:"اركعوا، لا يركعون"؛ واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه:
فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يُدْعون إلى السجود فلا يستطيعون.
وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدنيا.
وقيل: عُنِي بالركوع في هذا الموضع الصلاة..
وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين، أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إذا قال لهم الرسول عليه السلام {اركعوا} أي اخضعوا واستسلموا لله تعالى، امتنعوا عن ذلك استكبارا منهم على الرسل وإعراضا عن النظر في حجج الله تعالى.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الركوع: هو الانخفاض على وجه الخضوع، ويعبر به عن نفس الصلاة، والمعنى: إن هؤلاء الكفار إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون لجهلهم بما في الصلاة من الخير والبركة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
اخشعوا لله وتواضعوا له بقبول وحيه واتباع دينه. واطرحوا هذا الاستكبار والنخوة لا يخشعون ولا يقبلون ذلك، ويصرون على استكبارهم.
وقيل: ما كان على العرب أشدّ من الركوع والسجود.
اعلم أن هذا هو النوع العاشر من أنواع تخويف الكفار، كأنه قيل لهم: هب أنكم تحبون الدنيا ولذاتها، ولكن لا تعرضوا بالكلية عن خدمة خالقكم، بل تواضعوا له فإنكم إن آمنتم ثم ضممتم إليه طلب اللذات وأنواع المعاصي حصل لكم رجاء الخلاص عن عذاب جهنم والفوز بالثواب، كما قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يتحدث معجبا من أمر القوم وهم يدعون إلى الهدى فلا يستجيبون:
(وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. ويل يومئذ للمكذبين!)..
مع أنهم يبصرون هذا التبصير، وينذرون هذا النذير..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يجوز أن يكون عطفاً على قوله: {للمكذبين} [المرسلات: 47]، والتقدير: والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، فإن (ال) الداخلة على الأوصاف المشتقة بمنزلة اسم الموصول غالباً، ولذلك جعلها النحاة في عداد أسماء الموصول وجعلوا الوصف الداخلة عليه صلةً لها.
ويجوز أن يكون عطفاً على جملة {كُلوا وتمتعوا قليلاً} [المرسلات: 46] والانتقال من الخطاب إلى الغيبة التفات.
وعلى كلا الوجهين فهو من الإِدماج لينعى عليهم مخالفتهم المسلمين في الأعمال الدالة على الإِيمان الباطنِ فهو كناية عن عدم إيمانهم لأن الصلاة عماد الدين ولذلك عُبر عن المشركين ب {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5].
والمعنى: إذا قيل لهم آمنوا واركعوا لا يؤمنون ولا يَركعون، كما كني عن عدم الإِيمان لما حكي عنهم في الآخرة {ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ولم نك نطعم المسكين} [المدثر: 42- 44] إلى آخره.
ويجوز أن يكون عطفاً على قوله: {إنكم مجرمون} [المرسلات: 46].
وعلى الوجوه كلها يفيد تهديدهم لأنه معطوف على التكذيب أو على الإِجرام، وكلاهما سبب للتهديد بجزاء السوء في يوم الفصل.