اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُواْ لَا يَرۡكَعُونَ} (48)

قوله تعالى : { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ } وهذا نوع آخر من أنواع تخويف الكفار ، أي : إذا قيل لهؤلاء المشركين : " اركعوا " أي : صلوا " لا يركعون " أي : لا يصلون . قاله مجاهد{[59085]} .

قال مقاتل : نزلت في ثقيف ، حين امتنعوا من الصلاة فنزلت فيهم{[59086]} .

قال مقاتل : قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أسْلِمُوا وأمرهم بالصلاة ، فقالوا : لا نَنْحَنِي ، فإنها مَسبَّة علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا خَيْرَ فِي دِينٍ ليس فيهِ رُكوعٌ ولا سجُودٌ »{[59087]} .

وقال ابن عباس : إنما يقال لهم هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود{[59088]} فلا يستطيعون .

وقال قتادة : هذا في الدنيا{[59089]} .

فصل في وجوب الركوع

قال ابن العربي : هذه الآية تدلّ على وجوب الركوع ، وكونه ركناً في الصلاة ، وقد انعقد الإجماع عليه .

وقال قوم : إن هذا إنما يكون في الآخرة ، وليست بدار تكليف فيتوجه فيها أمر يكون عليه ويل وعقاب ، وإنما يدعون إلى السجود كشفاً لحال الناس في الدنيا ، فمن كان يسجد لله تمكن من السجود ، ومن كان يسجد رياء لغيره صار ظهره طبقاً واحداً .

وقيل : إذا قيل لهم : اخضعوا للحق لا يخضعون ، فهي عامّة في الصلاة وغيرها ، وإنما ذكره الصلاة لأنها أصل الشرائع بعد التوحيد ، والأمر بالصلاة أمر الإيمان لا يصح من غير إيمان .

فصل في المراد بالآية

حكى ابن الخطيب{[59090]} عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن المراد بقوله : { وإذا قيلَ لهم اركعُوا لا يَرْكعُونَ } هو الصلوات ، قال : وهذا ظاهر ، لأن الركوع من أركانها فبين أن هؤلاء الكفار من صفتهم أنهم إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة{[59091]} ، وأنهم حال كفرهم يستحقُّون الذم والعقاب بترك الصلاة ، لأن الله - تعالى - ذمهم حال كفرهم على ترك الصلاة .

فصل في أن الأمر للوجوب

استدلوا بهذه الآية على أن الأمر للوجوب ، لأن الله - تعالى - ذمهم بمحمود ترك المأمور به ، وهذا يدل على أن مجرد الأمر للوجوب .

فإن قيل : إنما ذمهم لكفرهم .

فالجواب : أنه - تعالى - ذمهم على كفرهم من وجوه ، إلا أنه - تعالى - إنما ذمهم في هذه الآية لترك المأمور به ؛ فدل على أن ترك المأمور به غير جائز .


[59085]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/394) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/497) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم .
[59086]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/109).
[59087]:أخرجه أبو داود (2/178) كتاب الخراج والفيء والإمارة: باب ما جاء في خير مكة رقم (3026) عن عثمان بن أبي العاص.
[59088]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/109 – 110).
[59089]:ينظر المصدر السابق.
[59090]:ينظر: الفخر الرازي 30/250.
[59091]:في أ: الشرائع.