الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُواْ لَا يَرۡكَعُونَ} (48)

قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " أي إذا قيل لهؤلاء المشركين : " اركعوا " أي صلوا " لا يركعون " أي لا يصلون ، قاله مجاهد . وقال مقاتل : نزلت في ثقيف ، امتنعوا من الصلاة فنزل ذلك فيهم . قال مقاتل : قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسلموا ) وأمرهم بالصلاة فقالوا : لا ننحني فإنها مسبة علينا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ) . يذكر أن مالكا رحمه الله دخل المسجد بعد صلاة العصر ، وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر ، فجلس ولم يركع ، فقال له صبي : يا شيخ قم فاركع . فقام فركع ولم يحاجِّه بما يراه مذهبا ، فقيل له في ذلك ، فقال : خشيت أن أكون من الذين " إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " . وقال ابن عباس : إنما يقال لهم هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون . قتادة : هذا في الدنيا . ابن العربي : هذه الآية حجة على وجوب الركوع وإنزاله ركنا في الصلاة وقد انعقد الإجماع عليه ، وظن قوم أن هذا إنما يكون في القيامة وليست بدار تكليف فيتوجه فيها أمر يكون عليه ويل وعقاب ، وإنما يدعون إلى السجود كشفا لحال الناس في الدنيا ، فمن كان لله يسجد يمكن{[15731]} من السجود ، ومن كان يسجد رثاء لغيره صار ظهره طبقا واحدا . وقيل : أي إذا قيل لهم اخضعوا للحق لا يخضعون ، فهو عام في الصلاة وغيرها وإنما ذكر الصلاة ، لأنها أصل الشرائع بعد التوحيد . وقيل : الأمر بالإيمان لأنها لا تصح من غير إيمان .


[15731]:في نسخة: تمكن من السجود.