السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُواْ لَا يَرۡكَعُونَ} (48)

{ وإذا قيل لهم } أي : لهؤلاء المجرمين من أي : قائل كان { اركعوا } أي : صلوا الصلاة التي فيها الركوع كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وأطلقوه عليها تسمية لها باسم جزئها ، وخص هذا الجزء لأنه يقال على الخضوع والطاعة ولأنه خاص بصلاة المسلمين { لا يركعون } أي : لا يصلون ، قال الرازي : وهذا ظاهر لأنّ الركوع من أركانها ، فبين تعالى أنّ هؤلاء الكفار من صفتهم أنهم إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون ويجوز أن يكون اركعوا بمعنى اخشعوا وتواضعوا لله بقبول وحيه واتباع دينه ، واطرحوا هذا الاستكبار لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم ، وأن يكون بمعنى اركعوا في الصلاة إذ روي أنها نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة فقالوا : لا نجبي فإنها مسبة علينا فقال صلى الله عليه وسلم «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود » . قال في القاموس : جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض أو انكب على وجهه ، والتجبية أن تقوم قيام الراكع . واستدل بهذه الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، وأنهم حال كفرهم يستحقون الذم والعقاب بترك الصلاة ؛ لأنّ الله تعالى ذمهم حال كفرهم ، وعلى أنّ الأمر للوجوب لأنّ الله تعالى ذمهم بمجرّد ترك المأمور به ، وهو يدل على أنّ الأمر للوجوب .

فإن قيل : إنما ذمهم لكفرهم . أجيب بأنه تعالى ذمهم على كفرهم من وجوه إلا أنه تعالى إنما ذمهم في هذه الآية لتركهم المأمور به .

وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بكسرها .