{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا } فأنا قد استشهدته ، فإن كنت كاذبا ، أَحَلَّ بي ما به تعتبرون ، وإن كان إنما يؤيدني وينصرني وييسر لي الأمور ، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه ، فإن وقع في قلوبكم أن شهادته -وأنتم لم تسمعوه ولم تروه- لا تكفي دليلا ، فإنه { يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
ومن جملة معلوماته حالي وحالكم ، ومقالي لكم{[633]} فلو كنت متقولا عليه ، مع علمه بذلك ، وقدرته على عقوبتي ، لكان [ قدحا في علمه وقدرته وحكمته ] كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } حيث هم خسروا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وحيث فاتهم النعيم المقيم ، وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح ، وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم ، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .
ثم أرشده - سبحانه - إلى جواب آخر يرد به عليهم فقال : { قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } . اى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين : يكفينى كفاية تامة أن يكون الله - تعالى - وحده ، هو الشهيد بينى وبينكم على أنى صادق فيما أبلغه عنه ، وعلى أن هذا القرآن من عنده .
وهو - سبحانه - { يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض } علماً لا يعزب عنه شئ ، وسيجازينى بما أستحقه من ثواب ، وسيجازيكم بما يستحقونه من عقاب .
{ والذين آمَنُواْ بالباطل } وأعرضوا عن الحق { وَكَفَرُواْ بالله } - تعالى - مع وضوح الأدلة على أنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة والطاعة .
الذين فعلوا ذلك : { أولئك هُمُ الخاسرون } خسارة ليس بعدها خسارة ، حيث آثروا الغى على الرشد ، واستحبوا العمى على الهدى ، وسيكون أمرهم فرطاً فى الدنيا والآخرة .
فأما الذين لا يشعرون بهذا كله ، فيطلبون آية يصدقون بها هذا القرآن ! هؤلاء المطموسون الذين لا تتفتح قلوبهم للنور . هؤلاء لا جدوى من المحاولة معهم ؛ وليترك أمر الفصل بينه وبينهم إلى الله !
قل : كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ، يعلم ما في السموات والأرض . والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون . .
وشهادة من يعلم ما في السماوات والأرض أعظم شهادة . وهو الذي يعلم أنهم على الباطل : ( والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) . .
الخاسرون على الإطلاق . الخاسرون لكل شيء . الخاسرون للدنيا والآخرة . الخاسرون لأنفسهم وللهدى والاستقامة والطمأنينة والحق والنور .
إن الإيمان بالله كسب . كسب في ذاته . والأجر عليه بعد ذلك فضل من الله . إنه طمأنينة في القلب واستقامة على الطريق ، وثبات على الأحداث ؛ وثقة بالسند ، واطمئنان للحمى ، ويقين بالعاقبة . وإن هذا في ذاته لهو الكسب ؛ وهو هو الذي يخسره الكافرون . و( أؤلئك هم الخاسرون ) . .
ثم قال تعالى : قل : { كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا } {[22663]} أي : هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب ، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه ، بأنه أرسلني ، فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ . لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] ، وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به ، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات ، والدلائل القاطعات .
{ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } [ أي ]{[22664]} : لا تخفى عليه خافية .
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } أي : يوم معادهم سيجزيهم على ما فعلوا ، ويقابلهم على ما صنعوا ، من تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل ، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم ، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل ، سيجازيهم على ذلك ، إنه حكيم عليم .
ثم أمر تعالى نبيه بالإسناد إلى أمر الله تعالى وأن يجعله حسبه { شهيداً } وحاكماً بينه وبينهم بعلمه وتحصيله جميع أمورهم ، وقوله { بالباطل } ، يريد بالأصنام والأوثان وما يتبع أمرها من المعتقدات{[9267]} ، والباطل ، هو أن يفعل فعل يراد به أمر ما ، وذلك ألأمر لا يكون عن ذلك الفعل ، والأصنام أريد بأمرها الأكمل والأنجح في زعم عبادها وليس الأكمل والأنجح إلا رفضها فهي إذاً باطل ، وباقي الآية بين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.