قَوْلُهُ ( تعالى ){[41596]} : { قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أني رسوله ، وهذا القرآن كتابه ، وهذا كما يقول الصادق إذا كذب ، وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدقه المعاند : «الله يعلمُ صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينك » ، كل ذلك إنذار وتهديد ثم بين كونه كافياً ، بكونه عالماً بجميع الأشياء ، فقال : { يَعْلَمُ مَا فِي السموات والأرض } .
فإن قيل : ما الحكمة في أنه أخر شهادة أهل الكتاب في آخر الوعد في قوله : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ : كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب }{[41597]} وهنا قدم شهادة أهل الكتاب ، فقال : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ( ومن هؤلاء من يؤمن{[41598]} به « } أي من أهل الكتاب ؟ .
فالجواب : أن الكلام هناك{[41599]} مع المشركين فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ( ثم ){[41600]} إن شهادة الله أقوى ( في{[41601]} ألزمهم ) من شهادة غير الله ، وهاهنا الكلام مع أهل الكتاب فشهادة{[41602]} الله على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم ، ثم ( إنه ){[41603]} تعالى لما بين الطريقتين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد الكلام الشامل لهما والإنكار العام فقال : { والذين آمَنُواْ بالباطل } ، قال ابن عباس : بغير الله { وَكَفَرُواْ بالله أولئك هُمُ الخاسرون } .
فإن قيل : قوله { أولئك هم الخاسرون } يقتضي الحصر ، أي من أتى بالإيمان ( بالباطل ){[41604]} والكفر ( بالله ){[41605]} فهو الخاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسراً .
فالجواب : أنه يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتياً بالآخر لأن المؤمن بما سوى الله مشرك ، لأنه جعل غير الله مثله ، وغير الله عاجز ممكن باطل فيكون الله كذلك ، ومن كفر بالله وأنكره فيكون قائلاً بأن العالم ليس له إله موجود فوجود العالم من نفسه فيكون قائلاً : بأن العالم واجب الوجود ، والواجب إله ( فَيَكُون{[41606]} قائلاً ) بأن غير الله إله فيكون إثباتاً لغير الله وإيماناً به{[41607]} .
فإن قيل : إذا كان الإيمان بما سواه كفراً ( به ){[41608]} فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة ( غير التأكيد ){[41609]} الذي في قول القائل ( قم ولا تقعد و
«واقتربْ مني ولا تَبْعُدْ » ؟ .
فالجواب : فيه فائدة ) غيرها وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل : أتقولُ بالباطل وتترك الحلق لشأن أن القول بالباطل قيبح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.