اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (52)

قَوْلُهُ ( تعالى ){[41596]} : { قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أني رسوله ، وهذا القرآن كتابه ، وهذا كما يقول الصادق إذا كذب ، وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدقه المعاند : «الله يعلمُ صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينك » ، كل ذلك إنذار وتهديد ثم بين كونه كافياً ، بكونه عالماً بجميع الأشياء ، فقال : { يَعْلَمُ مَا فِي السموات والأرض } .

فإن قيل : ما الحكمة في أنه أخر شهادة أهل الكتاب في آخر الوعد في قوله : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ : كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب }{[41597]} وهنا قدم شهادة أهل الكتاب ، فقال : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ( ومن هؤلاء من يؤمن{[41598]} به « } أي من أهل الكتاب ؟ .

فالجواب : أن الكلام هناك{[41599]} مع المشركين فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ( ثم ){[41600]} إن شهادة الله أقوى ( في{[41601]} ألزمهم ) من شهادة غير الله ، وهاهنا الكلام مع أهل الكتاب فشهادة{[41602]} الله على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم ، ثم ( إنه ){[41603]} تعالى لما بين الطريقتين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد الكلام الشامل لهما والإنكار العام فقال : { والذين آمَنُواْ بالباطل } ، قال ابن عباس : بغير الله { وَكَفَرُواْ بالله أولئك هُمُ الخاسرون } .

فإن قيل : قوله { أولئك هم الخاسرون } يقتضي الحصر ، أي من أتى بالإيمان ( بالباطل ){[41604]} والكفر ( بالله ){[41605]} فهو الخاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسراً .

فالجواب : أنه يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتياً بالآخر لأن المؤمن بما سوى الله مشرك ، لأنه جعل غير الله مثله ، وغير الله عاجز ممكن باطل فيكون الله كذلك ، ومن كفر بالله وأنكره فيكون قائلاً بأن العالم ليس له إله موجود فوجود العالم من نفسه فيكون قائلاً : بأن العالم واجب الوجود ، والواجب إله ( فَيَكُون{[41606]} قائلاً ) بأن غير الله إله فيكون إثباتاً لغير الله وإيماناً به{[41607]} .

فإن قيل : إذا كان الإيمان بما سواه كفراً ( به ){[41608]} فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة ( غير التأكيد ){[41609]} الذي في قول القائل ( قم ولا تقعد و

«واقتربْ مني ولا تَبْعُدْ » ؟ .

فالجواب : فيه فائدة ) غيرها وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل : أتقولُ بالباطل وتترك الحلق لشأن أن القول بالباطل قيبح .


[41596]:زائد من "ب".
[41597]:الرعد: 43.
[41598]:ساقط من "ب".
[41599]:في "ب" هنا.
[41600]:ساقط من "ب".
[41601]:ساقط من "ب".
[41602]:في "ب" فشهادة المرء على نفسه هو أقوى إقراره.
[41603]:ساقط من "ب".
[41604]:ساقط من "ب".
[41605]:ساقط من "ب".
[41606]:ساقط من "ب".
[41607]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/80.
[41608]:زيادة من "ب.
[41609]:ساقط من "ب".