{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا }
يقول تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } أي : نوعنا فيه المواعظ والأمثال ، وثنينا فيه المعاني التي يضطر إليها العباد ، لأجل أن يتذكروا ويتقوا ، فلم يتذكر إلا القليل منهم ، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة ، وأعانهم الله بتوفيقه ، وأما أكثر الناس فأبوا إلا كفورًا لهذه النعمة التي هي أكبر من جميع النعم ، وجعلوا يتعنتون عليه [ باقتراح ]{[478]} آيات غير آياته ، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة .
ومع عجز المشركين عن الإِتيان بسورة من مثل القرآن الكريم إلا أنهم استمروا فى طغيانهم يعمهون ، وأبوا التذكر والتدبر ، ولقد صور - سبحانه - أحوالهم أكمل تصوير فقال : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } .
أى : ولقد صرفنا وكررنا ونوعنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل ، أى : من كل معنى بديع ، هو كالمثل فى بلاغته ، وإقناعه للنفوس ، وشرحه للصدور ، واشتماله على الفوائد الجمة . . .
ومفعول : { صرفنا } محذوف ، والتقدير : ولقد صرفنا الهدايات والعبر بوجوه متعددة . .
وقوله - سبحانه - : { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } بيان لموقف الفاسقين عن أمر ربهم من هدايات القرآن الكريم وتوجيهاته ، وأوامره ونواهيه .
أى : فأبى أكثر الناس الاستجابة لهديه ، وامتنعوا عن الإِيمان بأنه من عند الله - تعالى - وجحدوا آياته وإرشاداته ، وعموا وصموا عن الحق الذى جاءهم به من نُزِّل عليه القرآن ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال - سبحانه - : { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ } بالإِظهار فى مقام الإِضمار ، للتأكيد والتوضيح .
والمراد بأكثر الناس : أولئك الذين بلغهم القرآن الكريم ، واستمعوا إلى آياته وتوجيهاته وتشريعاته وآدابه ، ولكنهم استحبوا الكفر على الإِيمان ، وآثروا الضلالة على الهداية .
وعبر - سبحانه - بالأكثر ، إنصافاً للقلة المؤمنة التى فتحت صدورها للقرآن ، فآمنت به ، وعملت بما فيه من أوامر ونواه . .
قال الجمل : فإن قيل : كيف جاز قوله { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } حيث وقع الاستثناء المفرغ فى الإِثبات . مع أنه لا يصح ، إذ لا يصح أن تقول : ضربت إلا زبدا .
فالجواب : أن لفظة { أبى } تفيد النفى ، فكأنه قيل : فلم يرضوا إلا كفورا .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت ما يدل على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وعلمه ، وفضله على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى الناس ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً .
ثم حكى - سبحانه - بعض المطالب المتعنتة التى طلبها المشركون من النبى صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً . . . } .
( ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ؛ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ؛ أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا ؛ أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ؛ أو يكون لك بيت من زخرف ؛ أو ترقى في السماء . ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ) .
وهكذا قصر إدراكهم عن التطلع إلى آفاق الإعجاز القرآنية ، فراحوا يطلبون تلك الخوارق المادية ، ويتعنتون في اقتراحاتهم الدالة على الطفولة العقلية ، أو يتبجحون في حق الذات الإلهية بلا أدب ولا تحرج . . لم ينفعهم تصريف القرآن للأمثال والتنويع فيها لعرض حقائقه في أساليب شتى تناسب شتى العقول والمشاعر ، وشتى الأجيال والأطوار . ( فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.