قوله تعالى : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } ، قرأ نافع و ابن عامر و عاصم بفتح السين ، أي : قطعاً ، وهي جمع كسفة ، وهي : القطعة والجانب ، مثل : كسرة وكسر . وقرأ الآخرون بسكون السين على التوحيد ، وجمعه أكساف وكسوف ، أي : تسقطها طبقاً واحداً ، وقيل : أراد جانبها علينا . وقيل : معناه أيضاً القطع ، وهي جمع التكسير مثل سدرة وسدر في الشعراء وسبأ كسفاً بالفتح ، حفص ، وفي الروم ساكنة أبو جعفر ، و ابن عامر . { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } ، قال ابن عباس : كفيلاً ، أي : يكفلون بما تقول . وقال الضحاك : ضامناً . وقال مجاهد : هو جمع القبيلة ، أي : بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة . وقال قتادة : عياناً أي : تراهم القابلة أي : معاينة . وقال الفراء : هو من قول العرب لقيت فلاناً قبيلاً ، وقبيلاً أي : معاينة .
وقوله - عز وجل - : { أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً . . . } اقتراح ثالث من مقترحاتهم الفاسدة .
ولفظ { كسفا } أى : قطعًا جمع كسفة - بكسر الكاف وسكون الشين ، يقال : كسفت الثوب أى : قطعته وهو حال من السماء ، والكاف فى قوله : { كما } صفة لموصوف محذوف .
والمعنى : أو تسقط أنت علينا السماء إسقاطا مماثلاً لما هددتنا به ، من أن فى قدرة ربك - عز وجل - أن ينزل علينا عذابًا متقطعًا من السماء .
ولعلهم يعنون بذلك قوله - تعالى - : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ السمآء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء . . . } وقيل : يعنون بذلك ، أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء ، فعجل لنا ذلك فى الدنيا ، وأسقطها علينا ، كما حكى عنهم القرآن ذلك فى قوله - تعالى - { وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . . . } فهم يتعجلون العذاب ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، يرجو لهم من الله - تعالى - الرحمة والهداية وتأخير العذاب عنهم ، لعله - سبحانه - أن يخرج من أصلابهم من يخلص له العبادة والطاعة .
وقوله - تعالى - { أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً } تسجيل لمطلب رابع من مطالبهم القبيحة .
قال الآلوسى : { قبيلا } أى : مقابلاً ، كالعشير والمعاشر ، وأرادوا - كما جاء عن ابن عباس - عِيانًا .
وهذا كقولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا } وفى رواية أخرى عنه وعن الضحاك تفسير القبيل بالكفيل ، أى : كفيلا بما تدعيه . يعنون شاهدا يشهد لك بصحة ما قلته .
وهو على الوجهين حال من لفظ الجلالة . . وعن مجاهد : القبيل الجماعة كالقبيلة ، فيكون حالاً من الملائكة - أى : أو تأتى بالله وبالملائكة قبيلة قبيلة .
وقوله تعالى { أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ } أي : أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي ، وتدلي أطرافها ، فعجل ذلك في الدنيا ، وأسقطها كسفًا [ أي : قطعًا ، كقولهم : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية [ الأنفال : 32 ] ، وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا : { أَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا ]{[17842]} مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 187 ] . فعاقبهم الرب بعذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم . وأما نبيّ الرحمة ، ونبيّ التوبة المبعوث رحمة للعالمين ، فسأل إنظارهم وتأجيلهم ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا . وكذلك وقع ، فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه{[17843]} حتى " عبد الله بن أبي أمية " الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قال ، أسلم إسلامًا تامًا ، وأناب إلى الله عز وجل .
{ أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } يعنون قوله تعالى : { أو تسقط عليهم كسفا من السماء } وهو كقطع لفظا ومعنى ، وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في " الروم " وابن عامر إلا في هذه السورة ، وأبو بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا " الطور " وهو إما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن . { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه ، أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.