البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (89)

وقرأ الجمهور : { صرّفنا } بتشديد الراء والحسن بتخفيفها ، والظاهر أن مفعول { صرّفنا } محذوف تقديره البينات والعبر و { من } لابتداء الغاية .

وقال ابن عطية : ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة التقدير ولقد { صرّفنا } { كل مثل } انتهى .

يعني فيكون مفعول { صرّفنا } { كل مثل } وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش لا على مذهب جمهور البصريين ، والظاهر أن المراد بالمثل هو القول الغريب السائر في الآفاق ، والقرآن ملآن من الأمثال التي ضربها الله تعالى .

وقال الزمخشري : { من كل مثل } من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه .

وقال أبو عبد الله الرازي : { من كل مثل } إشارة إلى التحدّي به بالجهات المختلفة كالتحدي بكل القرآن كالذي هنا ، وبسورة مثله وبكلام من سورة كقوله { فليأتوا بحديث مثله } ومع ظهور عجزهم أبوا { إلاّ كفوراً } انتهى ملخصاً .

وقيل : { من كل مثل } من الترغيب والترهيب وأنباء الأولين والآخرين وذكر الجنة والنار وأكثر الناس .

قيل : من كان في عهد الرسول من المشركين وأهل الكتاب .

وقيل : أهل مكة وهو الظاهر بدليل ما أتى بعده من قوله { وقالوا لن نؤمن لك } وتقدم القول في دخول { إلاّ } بعد { أبى } في سورة براءة .