اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (89)

قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ } الآية .

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } : مفعوله محذوف ، وقيل : " مِنْ " زائدة في " مِنْ كلِّ مَثلٍ " وهو المفعول ، قاله ابن عطية ، وهو مذهب الكوفيين و الأخفش{[20708]} .

وقرأ الحسن{[20709]} : " صَرَفْنَا " بتخفيف الراء ، وتقدَّم نظيره .

فصل في ذكر الوجوه المحتملة في هذا الكلام

هذا الكلام يحتمل وجوهاً :

أحدها : أنه وقع التحدِّي بكلِّ القرآن ؛ كما في هذه الآية ، ووقع التحدِّي بسورة واحدة ؛ كما في قوله : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } [ الطور : 34 ] فقوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ } يحتمل أن يكون المراد منه التحدِّي ؛ كما شرحناه ، ثم إنهم مع ظهور عجزهم عن جميع هذه المراتب ، صاروا مصرِّين على كفرهم .

وثانيها : أن يكون المراد من " من كُلِّ مثلٍ " : أنَّا أخبرناهم بأنَّ الذين بقوا مصرِّين على الكفر ؛ مثل قوم نوحٍ ، وعادٍ ، وثمود - ابتلاهم الله بأنواع البلاء - وشرحنا هذه الطريقة مراراً - ثم إنَّ هؤلاء الأقوام - يعني أهل مكَّة - لم ينتفعوا بهذا البيان ، بل أصرُّوا على الكفر .

وثالثها : أن يكون المراد من " مِنْ كلِّ مثلٍ " : مِنْ كلِّ وجهٍ من العبر ، والأحكام والوعد ، والوعيد ، وغيرها .

ورابعها : أن يكون المراد ذكر دلائل التوحيد ، ونفي الشركاء في هذا القرآن مراراً كثيرة ، وذكر شبهات منكري النبوَّة ، والمعاد ؛ وأجاب عنها ، ثمَّ أردفها بذكر الدَّلائل القاطعة على صحَّة النبوة ، والمعاد ، ثم إنَّ هؤلاء الكفَّار لم ينتفعوا بسماعها ، بل بقوا مصرِّين على الشِّرك ، وإنكار النُّبوَّة .

قوله : " إلاَّ كُفوراً " مفعول به ، وهو استثناءٌ مفرَّغ ؛ لأنَّه في قوة : لم يفعلوا إلاَّ الكفور .

والمعنى : { فأبى أَكْثَرُ الناس } يعني : أهل مكَّة ، { إِلاَّ كُفُوراً } أي : جحوداً للحقِّ .

فإن قيل : كيف جاز : { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً } ولا يجوز أن يقال : ضربتُ إلا زيداً ؟ .

فالجواب : إنَّ لفظة : " أبَى " تفيد النَّفي ؛ كأنه قيل : فلم يؤمنوا إلا كفوراً .


[20708]:ينظر: معاني القرآن للأخفش 98.
[20709]:ينظر: البحر 6/77، والدر المصون 4/418.