ويقال لهم { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ } أى : يوم يُجَرُّون فى النار على وجوههم ، على سبيل الإهانة والإذلال .
{ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أى : ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التى كنتم تكذبون بها ، وقاسوا آلامها وعذابها .
فقوله - تعالى - : { سَقَرَ } علم على جهنم ، مأخوذ من سقرت الشمس الشىء وصقرته ، إذا غيرت معالمه وأذابته ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث .
وقوله : يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ على وُجُوهِهِمْ يقول تعالى ذكره : يوم يُسحب هؤلاء المجرمون في النار على وجوههم . وقد تأوّل بعضهم قوله : فِي النارِ على وُجُوهِهِمْ إلى النار . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «يَوْمَ يُسْحَبُونَ إلى النّارِ على وُجُوهِهِمْ » .
وقوله : ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ يقول تعالى ذكره : يوم يُسحبون في النار على وجوههم ، يقال لهم : ذوقوا مَسّ سقَر ، وترك ذكر «يقال لهم » استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره .
فإن قال قائل : كيف يُذاق مسّ سقر ، أوَله طعم فيُذاق ؟ فإن ذلك مختلف فيه فقال بعضهم : قيل ذلك كذلك على مجاز الكلام ، كما يقال : كيف وجدت طعم الضرب وهو مجاز ؟ وقال آخر : ذلك كما يقال : وجدتُ مسّ الحمى يُراد به أوّل ما نالني منها ، وكذلك وجدت طعم عفوك . وأما سَقَرُ فإنها اسم باب من أبواب جهنم وترك إجراؤها لأنها اسم لمؤنث معرفة .
ويجوز أن يكون { يوم يسحبون } ظرفاً للكون الذي في خبر { إن } ، أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار . فالمعنى : أنهم في ضلال وسعر يوم القيامة و { سُعُر } جمع سعير ، وهو النار ، وجُمع السعير لأنه قوي شديد .
والسحْبُ : الجَرّ ، وهو في النار أشد من ملازمة المكان لأنه به يتجدد مماسة نار أخرى فهو أشد تعذيباً .
وجُعل السحْب على الوجوه إهانة لهم .
و { ذوقوا مس سقر } مقول قول محذوف ، والجملة مستأنفة . والذوق مستعار للإِحساس .
وصيغة الأمر مستعملة في الإِهانة والمجازاة .
والمس مستعمل في الإِصابة على طريقة المجاز المرسل .
وسَقَر : عَلَم على جهنم ، وهو مشتق من السَّقْر بسكون القاف وهو التهاب في النار ، ف { سقر } وضع علَماً لجهنم ، ولذلك فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ، لأن جهنم اسم مؤنث معنىً اعتبروا فيه أن مسماه نار والنار مؤنثة .
والآية تتحمل معنى آخر ، وهو أن يراد بالضلال ضد الهدى وأن الإِخبار عن المجرمين بأنهم ليسوا على هُدى ، وأن ما هم فيه باطل وضلال ، وذلك في الدنيا ، وأن يُراد بالسُّعر نيران جهنم وذلك في الآخرة فيكون الكلام على التقسيم .
أو يكون السُّعر بمعنى الجنون ، يقال : سُعُر بضمتين وسُعْر بسكون العين ، أي جنون ، من قول العرب ناقة مسعورة ، أي شديدة السرعة كأن بها جنوناً كما تقدم عند قوله تعالى : { إنا إذن لفي ضلال وسعر } في هذه السورة ( 24 ) .
وروي عن ابن عباس وفسر به أبو علي الفارسي قائلاً : لأنهم إن كانوا في السعير لم يكونوا في ضلال لأن الأمر قد كشف لهم وإنما وصف حالهم في الدنيا ، وعليه فالضلال والسعر حاصلان لهم في الدنيا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة، فقال: {يوم يسحبون في النار على وجوههم} بعد العرض تسحبهم الملائكة، وتقول الخزنة: {ذوقوا مس سقر} يعني عذاب سقر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ على وُجُوهِهِمْ "يقول تعالى ذكره: يوم يُسحب هؤلاء المجرمون في النار على وجوههم...
وقوله: "ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ" يقول تعالى ذكره: يوم يُسحبون في النار على وجوههم، يقال لهم: ذوقوا مَسّ سقَر، وترك ذكر «يقال لهم» استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره.
فإن قال قائل: كيف يُذاق مسّ سقر، أوَله طعم فيُذاق؟ فإن ذلك مختلف فيه، فقال بعضهم: قيل ذلك كذلك على مجاز الكلام، كما يقال: كيف وجدت طعم الضرب وهو مجاز؟ وقال آخر: ذلك كما يقال: وجدتُ مسّ الحمى، يُراد به أوّل ما نالني منها، وكذلك وجدت طعم عفوك. وأما سَقَرُ فإنها اسم باب من أبواب جهنم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
سَحْبُهم على الوجوهِ أمارةٌ لإذْلالهم، ولو كان ذلك مرةً واحدةً لكانت عظيمة -فكيف وهو التأبيد والتخليد؟!
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والمعنى: يقال لهم على جهة التوبيخ.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والسحْبُ: الجَرّ، وهو في النار أشد من ملازمة المكان لأنه به يتجدد مماسة نار أخرى فهو أشد تعذيباً. وجُعل السحْب على الوجوه إهانة لهم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.