السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} (48)

ثم بين عذابهم في الآخرة بقوله تعالى : { يوم يسحبون } أي : في القيامة إهانة لهم من أي ساحب كان { في النار } أي الكاملة النارية { على وجوههم } لأنهم في غاية الذل والهوان جزاء بما كانوا يذلون أولياء الله تعالى مقولاً لهم من أي قائل اتفق { ذوقوا } لأنه لا منعة لهم ولا حمية بوجه { مَسَّ سقر } أي : حرّ النار وألمها فإن مسها سبب للتألم بها ، وسقر علم لجهنم مشتقة من سقرته الشمس أو النار أي لوحته ويقال : صقرته بالصاد وهي مبدلة من السين قال ذو الرمة :

إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها *** يا فنان مربوع الصريمة معبل

وعدم صرفها للتعريف والتأنيث . وقال بعض المفسرين : إنّ هذه الآية نزلت في القدرية لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «مجوس هذه الأمة القدرية » وهم المجرمون الذين سماهم الله تعالى في قوله سبحانه { إنّ المجرمين في ضلال وسعر } وفي مسلم عن أبي هريرة قال : «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت هذه الآية إلى آخرها » قال الرازي : والقدري هو الذي ينكر القدر وينسب الحوادث لاتصالات الكواكب لما مرّ أنّ قريشاً خاصموا النبيّ صلى الله عليه وسلم في القدر ، ومذهبهم أن الله تعالى مكن العبد من الطاعة والمعصية وهو قادر على خلق ذلك في العبد وقادر على أن يطعم الفقير ولهذا قالوا : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه منكرين لقدرته تعالى على الإطعام .

وقوله صلى الله عليه وسلم : «القدرية مجوس هذه الأمة » إن أريد بالأمة المرسل إليهم مطلقاً كالقوم فالقدرية في زمانه صلى الله عليه وسلم هم المشركون المنكرون قدرته على الحوادث فلا يدخل فيهم المعتزلة ؛ وإن كان المراد بالأمة من آمن به صلى الله عليه وسلم فمعناه أن نسبة القدرية إليهم كنسبة المجوس إلى الأمة المتقدمة ؛ فإنّ المجوس أضعف الكفرة المتقدّمين شبهة وأشدّ مخالفة للعقل وكذا القدرية في هذه الأمة ؛ وكونهم كذلك لا يقتضي الجزم بكونهم في النار فالحق أنّ القدري : هو الذي ينكر قدرة الله تعالى وقد ردّ عليهم بالكتاب والسنة .