{ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } وكان يكفيهم فى الجواب أن يقولوا : نعبد أصناما ، ولكنهم لغبائهم وجهلهم قصدوا التباهى والتفاخر بهذه العبادة الباطلة أى : نعبد أصناما منحوتة من الحجر أو مما يشبهه ، ونداوم على عبادتها ليلا ونهارا ، ونعكف على التقرب لها كما يتقرب الحبيب إلى حبيبه .
وهكاذ ، عندما تنحط الأفهام ، تتباهى بما يجب البعد عنه ، وتفتخر بالمرذول من القول والفعل . . .
( قالوا : نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ) !
وهم كانوا يسمون أصنامهم آلهة . فحكاية قولهم : إنها أصنام . تنبى ء بأنهم لم يكونوا يملكون إنكار أنها أصنام منحوتة من الحجر ، وأنهم مع ذلك يعكفون لها ، ويدأبون على عبادتها . وهذه نهاية السخف . ولكن العقيدة متى زاغت لم يفطن أصحابها إلى ما تنحط إليه عبادتهم وتصوراتهم ومقولاتهم !
قَالوا له : نَعْبُدُ أصْنَاما فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِين يقول : فنظلّ لها خدما مقيمين على عبادتها وخدمتها . وقد بيّنا معنى العكوف بشواهده فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكان ابن عباس فيما روي عنه يقول في معنى ذلك ما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : قالُوا نَعْبُدُ أصْناما فَنَظَلّ لَهَا عاكِفِينَ قال : الصلاة لأصنامهم .
الظاهر أنه ألقى عليهم السؤال حين تلبُّسهم بعبادة الأصنام كما هو مناسب الإتيان بالمضارع في قوله : { تعبدون } وما فهم قومه من كلامه إلا الاستفسار فأجابوا : بأنهم يعبدون أصناماً يعكفون على عبادتها .
والتنوين في { أصناماً } للتعظيم ، ولذا عدل عن تعريفها وهم يعلمون أن إبراهيم يعرفها ويعلم أنهم يعبدونها . واسم الأصنام عندهم اسم عظيم فهم يفتخرون به على عكس أهل التوحيد . ولهذا قال إبراهيم لهم في مقام آخر { إنما تَعبدون من دون الله أوثاناً } [ العنكبوت : 17 ] على وجه التحقير لمعبوداتهم والتحميق لهم . وأتوا في جوابهم بفعل { نعبد } مع أن الشأن الاستغناء عن التصريح إذ كان جوابهم عن سؤال فيه { تعبدون } . فلا حاجة إلى تعيين جنس المعبودات فيقولوا أصناماً كما في قوله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } [ البقرة : 219 ] ، { ماذا قال ربكم قالوا الحق } [ سبأ : 23 ] { ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً } [ النحل : 30 ] فعدلوا عن سُنَّة الجواب إلى تكرير الفعل الواقع في السؤال ابتهاجاً بهذا الفعل وافتخاراً به ، ولذلك عطفوا على قولهم : { نعبد } ما يزيد فعل العبادة تأكيداً بقولهم : { فنظَلُّ لها عاكفين } . وفي فعل « نظَلّ » دلالة الاستمرار جميع النهار . وأيضاً فهم كانوا صابئة يعبدون الكواكب وجعلوا الأصنام رموزاً على الكواكب تكون خلَفاً عنها في النهار ، فإذا جاء الليل عبدوا الكواكب الطالعة .
وضمّن { عاكفين } معنى ( عابدين ) فعدي إليه الفعل باللام دون ( على ) . ولما كان شأن الرب أن يُلجأ إليه في الحاجة وأن ينفع أو يضر ألقى إبراهيم عليهم استفهاماً عن حال هذه الأصنام هل تسمع دعاء الداعين وهل تنفع أو تضر تنبيهاً على دليل انتفاء الإلهية عنها .
وكانت الأمم الوثنية تعبد الوثن لرجاء نفعه أو لدفع ضره ولذلك عبد بعضهم الشياطين .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 69]
يقول تعالى ذكره: واقصص على قومك من المشركين يا محمد خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟ قَالوا له:"نَعْبُدُ أصْنَاما فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِين" يقول: فنظلّ لها خدما مقيمين على عبادتها وخدمتها... وكان ابن عباس فيما روي عنه يقول في معنى ذلك... "نَعْبُدُ أصْناما فَنَظَلّ لَهَا عاكِفِينَ "قال: الصلاة لأصنامهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي نقيم لها عابدين، أي ندوم على عبادتها. والعكوف على الشيء، هو الإقامة عليه، والدوام.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقيل: في وجه دخول الشبهة عليهم في عبادة الاصنام أشياء:
أحدها -أنهم اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله زلفى...
ومنها- أنهم اتخذوا هياكل النجوم ليحظوا بتوجه العبادة إلى هياكلها، كما يفعل بالهند.
ومنها -ارتباط عبادة الله بصورة يرى منها.
ومنها- انهم توهموا خاصية في عبادة الصنم يحظى بها، كالخاصية في حجر المغناطيس. والشبهة الكبرى العامة في ذلك تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة. ولذلك "قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون "ولم يحتجوا بشئ سوى التقليد، الذي هو قبيح في العقول. والعبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع، فلا تستحق إلا بأصول النعم وبما كان في أعلى المراتب من الانسان، فكل من عبد غير الله، فهو جاهل بموجب العبادة، كافر لنعم الله، لأن من حقه إخلاص العبادة له.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قالوا: نعبد أصناما فنظل لها عاكفين)! وهم كانوا يسمون أصنامهم آلهة. فحكاية قولهم: إنها أصنام. تنبئ بأنهم لم يكونوا يملكون إنكار أنها أصنام منحوتة من الحجر، وأنهم مع ذلك يعكفون لها، ويدأبون على عبادتها. وهذه نهاية السخف، ولكن العقيدة متى زاغت لم يفطن أصحابها إلى ما تنحط إليه عبادتهم وتصوراتهم ومقولاتهم!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الظاهر أنه ألقى عليهم السؤال حين تلبُّسهم بعبادة الأصنام كما هو مناسب الإتيان بالمضارع في قوله: {تعبدون} وما فهم قومه من كلامه إلا الاستفسار فأجابوا: بأنهم يعبدون أصناماً يعكفون على عبادتها. والتنوين في {أصناماً} للتعظيم، ولذا عدل عن تعريفها وهم يعلمون أن إبراهيم يعرفها ويعلم أنهم يعبدونها. واسم الأصنام عندهم اسم عظيم فهم يفتخرون به على عكس أهل التوحيد. ولهذا قال إبراهيم لهم في مقام آخر {إنما تَعبدون من دون الله أوثاناً} [العنكبوت: 17] على وجه التحقير لمعبوداتهم والتحميق لهم. وأتوا في جوابهم بفعل {نعبد} مع أن الشأن الاستغناء عن التصريح إذ كان جوابهم عن سؤال فيه {تعبدون}. فلا حاجة إلى تعيين جنس المعبودات فيقولوا أصناماً كما في قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219]، {ماذا قال ربكم قالوا الحق} [سبأ: 23] {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} [النحل: 30] فعدلوا عن سُنَّة الجواب إلى تكرير الفعل الواقع في السؤال ابتهاجاً بهذا الفعل وافتخاراً به، ولذلك عطفوا على قولهم: {نعبد} ما يزيد فعل العبادة تأكيداً بقولهم: {فنظَلُّ لها عاكفين}. وفي فعل « نظَلّ» دلالة الاستمرار جميع النهار. وأيضاً فهم كانوا صابئة يعبدون الكواكب وجعلوا الأصنام رموزاً على الكواكب تكون خلَفاً عنها في النهار، فإذا جاء الليل عبدوا الكواكب الطالعة. وضمّن {عاكفين} معنى (عابدين) فعدي إليه الفعل باللام دون (على). ولما كان شأن الرب أن يُلجأ إليه في الحاجة وأن ينفع أو يضر ألقى إبراهيم عليهم استفهاماً عن حال هذه الأصنام هل تسمع دعاء الداعين وهل تنفع أو تضر تنبيهاً على دليل انتفاء الإلهية عنها. وكانت الأمم الوثنية تعبد الوثن لرجاء نفعه أو لدفع ضره ولذلك عبد بعضهم الشياطين.