معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

قوله تعالى : { نحن قدرنا } قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان ، { بينكم الموت } ، قال مقاتل : فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً . وقال الضحاك : تقديره : إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء ، فعلى هذا يكون معنى { قدرنا } : قضينا . { وما نحن بمسبوقين } بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم . فذلك قوله عز وجل :{ على أن نبدل أمثالكم . . . }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

وقوله : نَحْنُ قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره : نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت ، فعجّلناه لبعض ، وأخّرناه عن بعض إلى أجل مسمى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ قال : المستأخر والمستعجل .

وقوله : وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ ، يقول تعالى ذكره : وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أيها الناس في أنفسكم وآجالكم ، فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شيء من أجلنا ، ولا يتأخر عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

وقرأ جمهور القراء : «قدّرنا » بشد الدال . وقرأ كثير وحده : «قدَرنا » بتخفيفها . والمعنى فيها يحتمل أن يكون بمعنى قضينا وأثبتنا ، ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا ، وعدلنا التقدم والتأخر ، أي جعلنا الموت رتباً ، ليس يموت العالم دفعة واحدة ، بل بترتيب لا يعدوه أحد .

وقال الطبري معنى الآية : «قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم » أي تموت طائفة ونبدلها بطائفة ، هكذا قرناً بعد قرن .

وقوله : { وما نحن بمسبوقين } على تبديلكم إن أردناه وإن ننشئكم بأوصاف لا يصلها عملكم ولا يحيط بها كفركم . قال الحسن : من كونكم قردة وخنازير .

قال القاضي أبو محمد : تأول الحسن هذا ، لأن الآية تنحو إلى الوعيد ، وجاءت لفظة «السبق » هنا على نحو قوله عليه السلام : «فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم »{[10916]} .


[10916]:أخرجه البخاري في المواقيت وفي تفسير سورة (ق) وفي التوحيد، وأبو داود في السنة، والترمذي في الجنة، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في مسنده(4-360، 362، 365)، ولفظه كما جاء في مسند أحمد: قال: سمعت قيس بن أبي حازم يحدث عن جرير، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عز وجل كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على هاتين الصلاتين قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، ثم تلا هذه الآية:{فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}، قال شعبة: لا أدري قال(فإن استطعتم) أو لم يقل.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"نَحْنُ قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ "يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجّلناه لبعض، وأخّرناه عن بعض إلى أجل مسمى. وقوله: "وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ"، يقول تعالى ذكره: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أيها الناس في أنفسكم وآجالكم، فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شيء من أجلنا، ولا يتأخر عنه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل وجوها:

أحدهما: أنه لما كان هو الذي خلقكم وما ذكر، ثم قدر بينكم الموت، وفيكم الولي له والعدو، وقد سوى في الدنيا بين الولي والعدو، وفي الحكمة التفريق بينهما، دل أن هنالك دارا أخرى تفرق بينهما. {نحن قدرنا بينكم الموت} أي سوّينا بينكم في الموت بين عزيزكم وذليلكم ورفيعكم ووضيعكم، لا يسلم أحد منه. ويحتمل وجها آخر، هو أولى، وهو أنه لما قدر بينكم الموت، وكل واحد يكره الموت، ثم لم تملكوا دفع الموت عن أنفسكم، دل أن ههنا قاهرا قادرا يجب القول بوجوده والانقياد لأوامره ونواهيه...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(نحن قدرنا بينكم الموت) فالتقدير: ترتيب الأمور على مقدار، فالله تعالى أجرى الموت بين العباد على مقدار ما تقتضيه الحكمة، فإنما أجراه الحكيم على ذلك المقدار...

وقوله (وما نحن بمسبوقين) أي لسنا بمسبوقين في تدبيرنا، لأن الأمور كلها في مقدور الله وسلطانه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

سبقته على الشيء: إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقرأ جمهور القراء: «قدّرنا» بشد الدال...والمعنى فيها يحتمل أن يكون بمعنى قضينا وأثبتنا، ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا وعدلنا التقدم والتأخر، أي جعلنا الموت رتباً، ليس يموت العالم دفعة واحدة، بل بترتيب لا يعدوه أحد.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

وما نحن بمسبوقين لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{نحن} أي بما لنا من العظمة لا غيرنا، {بينكم} أي كلكم لم نترك أحداً منكم بغير حصة منه، {قدرنا} أي تقديراً عظيماً، لا يقدر سوانا على نقض شيء منه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت}. استدلال بإماتة الأحياء على أنها مقدورة لله تعالى ضرورة أنهم موقنون بها ومشاهدونها ووادُّون دفعها أو تأخيرها، فإن الذي قدر على خلق الموت بعد الحياة قادر على الإِحياء بعد الموت... {قدرنا بينكم الموت} دون: نحن نميتكم، أي أن الموت مجعول على تقدير معلوم مراد، مع ما في مادة {قدرنا} من التذكير بالعلم والقدرة والإرادة لتتوجه أنظار العقول إلى ما في طيّ ذلك من دقائق وهي كثيرة، وخاصة في تقدير موت الإنسان الذي هو سبيل إلى الحياة الكاملة إنْ أخذ لها أسبابها.آذن ظرف (بين) بأن الموت كالشيء الموضوع للتوزيع لا يدري أحد متى يصيبه قسطه منه، فالناس كمن دعوا إلى قسمة مال أو ثمر أو نعم لا يدري أحد متى ينادى عليه ليأخذ قسمه، أو متى يطير إليه قِطُّه ولكنه يوقن بأنه نائله لا محاله...

{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}. هذا نتيجة لما سبق من الاستدلال على أن الله قادر على الإِحياء بعد الموت...