اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

قوله : { نَحْنُ قَدَّرْنَا } .

قرأ ابن كثير{[54966]} : «قَدَرْنَا » بتخفيف الدال .

والباقون : بتشديدها .

وهما لغتان بمعنى واحد في التقدير الذي هو القضاء ، وهذا أيضاً احتجاج ، أي : الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخَلْق وإذا قدر على الخَلْق قدر على البعث{[54967]} .

قال الضحاك : معناه أي : سوَّينا بين أهل السماء وأهل الأرض .

وقيل : قضينا .

وقيل : كتبنا .

قال مقاتل : فمنكم من يبلغ الهَرَم ، ومنكم من يموت صبيًّا وشابًّا{[54968]} .

{ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي : مغلوبين عاجزين .

قوله : { على أَن نُّبَدِّلَ } .

يجوز أن يتعلق { بِمَسْبُوقِينَ } ، وهو الظَّاهر ، أي : لم يسبقنا أحد على تبديلنا أمثالكم ، أي : يعجزنا ، يقال : سبقه إلى كذا ، أي : أعجزه عنه ، وغلبه عليه .

الثاني : أنه متعلق بقوله : «قَدَّرْنا » أي : قدرنا بينكم الموت ، { على أن نُبدِّل } أي : تموت طائفة ، وتخلفها طائفة أخرى . قال معناه الطبري{[54969]} .

وعلى هذا يكون قوله : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } معترضاً ، وهو اعتراض حسن .

ويجوز في «أمْثَالكُمْ » وجهان{[54970]} :

أحدهما : أنه جمع «مِثْل » - بكسر الميم وسكون الثاء - أي : نحن قادرون على أن نعدمكم ، ونخلق قوماً آخرين أمثالكم ، ويؤيده : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [ النساء : 133 ] .

والثاني : أنه جمع «مَثَل » - بفتحتين - وهو الصفة ، أي : نغير صفاتكم التي أنتم عليها خَلْقاً وخُلُقاً ، و«ننشئكم » في صفات غيرها .

وتقدم قراءتا النَّشأة في «العنكبوت »{[54971]} .

فصل في تفسير معنى الآية

قال الطبري{[54972]} : معنى الآية : نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم ، { وما نحن بمسبوقين } في آجالكم ، أي : لا يتقدم متأخر ، ولا يتأخّر متقدم ، { وننشئكم فيما لا تعلمون } من الصُّور والهيئاتِ .

قال الحسن : أي : نجعلكم قِردةً وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم{[54973]} .

وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيجمّل المؤمن ببياض وجهه ، ويقبح الكافر بسواد وجهه .

وقال سعيد بن المسيب : قوله : { فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني في حواصل طير سُودٍ تكون ببرهوت كأنها الخَطَاطِيْف ، و«برهوت » : وادٍ في «اليمن »{[54974]} .

وقال مجاهد : { فيما لا تعلمون } أي : في أي خلق شئنا{[54975]} .

وقيل : ننشئكم في عالم فيما لا تعلمون ، وفي مكان لا تعلمون .

قال ها هنا : { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت } .

وقال في سورة «الملك » : { خَلَقَ الموت والحياة } [ الملك : 2 ] بلفظ الخلق ؛ لأن المراد هناك بيان كون الموت والحياة مخلوقين ، وهاهنا ذكر حياتهم ومماتهم{[54976]} .


[54966]:ينظر: السبعة 623، والحجة 6/261، وإعراب القراءات 2/347، وحجة القراءات 696، والعنوان 185، وشرح الطيبة 6/38، وشرح شعلة 596، وإتحاف 2/516.
[54967]:ينظر: القرطبي 17/140.
[54968]:ينظر: البغوي في "تفسيره" (4/287).
[54969]:جامع البيان 11/651.
[54970]:ينظر: الدر المصون 6/263.
[54971]:سورة العنكبوت آية (20).
[54972]:ينظر: جامع البيان 11/651، والقرطبي 17/140.
[54973]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/287).
[54974]:ينظر المصدر السابق.
[54975]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/651).
[54976]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 29/155.