النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{نَحۡنُ قَدَّرۡنَا بَيۡنَكُمُ ٱلۡمَوۡتَ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ} (60)

{ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ المَوْتَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : قضينا عليكم بالموت .

الثاني : كتبنا عليكم الموت .

الثالث : سوينا بينكم الموت .

فإذا قيل بالوجه الأول أنه بمعنى قضى ففيه وجهان :

أحدهما قضى بالفناء ثم الجزاء .

الثاني : ليخلف الأبناء الآباء .

وإذا قيل بالوجه الثاني أنه بمعنى كتبنا ففيه وجهان :

أحدهما : كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص ، قاله ابن عيسى .

الثاني : كتبنا وقته فلا يتقدم عليه ولا يتأخر ، قاله مجاهد .

وإذا قيل بالوجه الثالث أنه بمعنى سوينا ففيه وجهان :

أحدهما : سوينا بين المطيع والعاصي .

الثاني : سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض ، قاله الضحاك .

{ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه تمام ما قبله من قوله " نحن قدرنا بينكم الموت " فعلى هذا في تأويله وجهان :

أحدهما : وما نحن بمسبوقين على ما قدرنا بينكم الموت حتى لا تموتوا .

الثاني : وما نحن بمسبوقين على أن تزيدوا في مقداره وتؤخروه عن وقته .

والوجه الثاني : أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده من قوله تعالى : { عَلَى أَن نبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئِكُم فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فعلى هذا في تأويله وجهان :

أحدهما : لما لم نسبق إلى خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم .

الثاني : كما لم نعجز عن خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم كما لم نعجز عن تغييرها في حياتكم .

فعلى هذا التأويل يكون في الكلام مضمر محذوف ، وعلى التأويل الأول يكون جميعه مظهراً .