معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

قوله تعالى : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين } ، أي سلطناهم عليهم ، وذلك حين قال لإبليس { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، الآية [ الإسراء : 64 ] ، { تؤزهم أزاً } ، تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية ، والأز والهز : التحريك أي : تحركهم وتحثهم على المعاصي .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

القول في تأويل قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنّآ أَرْسَلْنَا الشّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزّاً * فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله تَوزّهُمْ يقول : تحرّكهم بالإغواء والإضلال ، فتزعجهم إلى معاصي الله ، وتغريهم بها حتى يواقعوها أزّا إزعاجا وإغواء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أزّا يقول : تغريهم إغراء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء في الشرك : امضِ امضِ في هذا الأمر ، حتى توقعهم في النار ، امضوا في الغيّ امضوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو إدريس ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تَوزّهُمْ أزّا قال : تغريهم إغراء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : تَوزّهُمْ أزّا قال : تزعجهم إزعاجا في معصية الله .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن عثمة ، قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة في قول الله تَوزّهُمْ أزّا قال : تزعجهم إلى معاصي الله إزعاجا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله تَوزّهُمْ أزّا قال تزعجهم إزعاجا في معاصي الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ تَرَ أنّا أرْسَلْنا الشّياطِينَ على الكافرِينَ تَوزّهُمْ أزّا فقرأ : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ قال : توزّهم أزّا ، قال : تشليهم إشلاءً على معاصي الله تبارك وتعالى ، وتغريهم عليها ، كما يغري الإنسان الاَخر على الشيء .

يقال منه : أزَزْت فلانا بكذا ، إذا أغريته به أؤزّه أزّا وأزيزا ، وسمعت أزيز القدر : وهو صوت غليانها على النار ومنه حديث مطرف عن أبيه ، أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

{ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين } بأن سلطانهم عليهم أو قيضنا لهم قرناء . { تؤزهم أزا } تهزهم وتغريهم على المعاصي بالتسويلات وتحبيب الشهوات ، والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقاويل الكفرة وتماديهم في الغي وتصميمهم على الكفر بعد وضوح الحق على ما نطقت به الآيات المتقدمة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

وقوله { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } الآية ، الرؤية في الآية رؤية القلب ، و { أرسلنا } معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطان{[8044]} وتعديته ب { على } دال على أن تسليط ، و { تؤزهم } معناه تغليهم وتحركهم الى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجاً ، قال ابن زيد : تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل »{[8045]} .


[8044]:من الآية (36) من سورة (الزخرف).
[8045]:الحديث في تفسير الطبري، قال: "ومنه حديث مطرف عن أبيه، أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

استئناف بياني لجواب سؤال يجيش في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من إيغال الكافرين في الضلال جماعتهم وآحادهم ، وما جرّه إليهم من سوء المصير ابتداء من قوله تعالى : { ويقول الإنسان أإذا ما مِتّ لسوف أخرج حياً } [ مريم : 66 ] ، وما تخلل ذلك من ذكر إمهال الله إياهم في الدنيا ، وما أعد لهم من العذاب في الآخرة . وهي معترضة بين جملة { واتخذوا من دون الله آلهة } [ مريم : 81 ] وجملة { يوم نحشر المتقين } [ مريم : 85 ] . وأيضاً هي كالتذييل لتلك الآيات والتقرير لمضمونها لأنها تَستخلص أحوالهم ، وتتضمن تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن إمهالهم وعدم تعجيل عقابهم .

والاستفهام في { ألم تر } تعجيبي ، ومثله شائع في كلام العرب يجعلون الاستفهام على نفي فعل . والمراد حصول ضده بحثّ المخاطب على الاهتمام بتحصيله ، أي كيف لم تر ذلك ، ونزّل إرسال الشياطين على الكافرين لاتضاح آثاره منزلة الشيء المرثي المشاهد ، فوقع التعجيب من مَرآه بقوله : ألم تر ذلك .

والأزُّ : الهزّ والاستفزاز الباطني ، مأخوذ من أزيز القدر إذا اشتد غليانها . شبه اضطراب اعتقادهم وتناقض أقوالهم واختلاق أكاذيبهم بالغليان في صعود وانخفاض وفرقعة وسكون ، فهو استعارة فتأكيده بالمصدر ترشيح .

وإرسال الشياطين عليهم تسخيرهم لها وعدم انتفاعهم بالإرشاد النبّوي المنقد من حبائلها ، وذلك لكفرهم وإعراضهم عن استماع مواعظ الوحي . وللإشارة إلى هذا المعنى عُدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله { على الكافرين } . وجعل { تؤزهم } حالاً مقيّداً للإرسال لأنّ الشياطين مرسلة على جميع الناس ولكن الله يحفظ المؤمنين من كيد الشياطين على حسب قوّة الإيمان وصلاح العمل ، قال تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } [ الحجر : 42 ] .