معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } أحداً يدور في الأرض فيذهب ويجيء ، من الدوران ، وقال القتيبي : إن أصله من الدار ، أي : نازل دار .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

وقوله : وَقالَ نُوحٌ رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا ويعني بالدّيار من يدور في الأرض ، فيذهب ويجيء فيها وهو فَيْعال من الدوران ديوارا ، اجتمعت الياء والواو ، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة ، وأدغمت الواو فيها ، وصيرتا ياء مشددة ، كما قيل : الحيّ القيام من قمت ، وإنما هو قيوام : والعرب تقول : ما بها ديار ولا عريب ، ولا دويّ ، ولا صافر ، ولا نافخ ضرمة ، يعني بذلك كله : ما بها أحد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أي أحدا وهو مما يستعمل في النفي العام فيعال من الدار أو الدور وأصله ديوار ففعل به ما بأصل سيد الأفعال وإلا لكان دوارا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني أحدا، وذلك أن الله تبارك وتعالى {وأوحي إلى نوح} صلى الله عليه وسلم {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود:36] وذلك أن الله تعالى كان أخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، فلما أخبر بذلك دعا عليهم، قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا}

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بالدّيار من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها... والعرب تقول: ما بها ديار...تعني بذلك كله: ما بها أحد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لا تذر على الأرض من الكافرين ساكن دار. وإذا لم يبق ساكن دار، فقد ماتوا جميعا، فكأنه يقول: لا تذر منهم أحدا.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

دَعَا نُوحٌ عَلَى الْكَافِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَنْ تَحَزَّبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَمَّا كَافِرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ تُعْلَمْ خَاتِمَتُهُ فَلَا يُدْعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ عِنْدَنَا مَجْهُولٌ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومَ الْخَاتِمَةِ لِلسَّعَادَةِ؛ وَإِنَّمَا خَصَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدُّعَاءَ عَلَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَصْحَابِهِ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ، وَمَا كُشِفَ لَهُ من الْغِطَاء عَنْ حَالِهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فاستجاب الله له، فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه... ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح، عليه السلام، وهم الذين أمره الله بحملهم معه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أتم الخبر عن إغراقهم، وقدمه للاهتمام بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في إجابة دعوته تحذيراً للعرب أن يخرجوا رسولهم صلى الله عليه وسلم فيخرجوه إلى مثل ذلك، عطف على قول نوح عليه السلام من أوله قوله عندما أخبره تعالى أنهم مغرقون وأنه لا يؤمن منهم إلا من قد آمن بعدما طال بلاؤه بهم

وكانت صيغة العموم ليست بنص في أفرادها أبداً، استنجازاً لوعده وتصريحاً بمراده: {وقال نوح} وأسقط الأداة كما هي عادة أهل الحضرة فقال: {رب لا تذر} أي تترك بوجه من الوجوه أصلاً ولو على أدنى الوجوه {على الأرض} أي كلها من مشرقها إلى مغربها وسهلها وجبلها ووهدها {من الكافرين} أي الراسخين في الكفر الذي هو كان لهم جبلة وطبعاً {دياراً} أي أحداً يدور فيها، وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي العام فيقال من الدور أو الدار لا فعّال، وإلا لكان دواراً، ويجوز -وهو أقرب- أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه، لا أصل الإغراق، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يكمل دعاء نوح الأخير؛ وابتهاله إلى ربه في نهاية المطاف: (وقال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا. رب اغفر لي ولوالدي، ولمن دخل بيتي مؤمنا، وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا).. فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه. وأحيانا لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى الله نهائيا، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين. وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازا كاملا لا يبقي منهم ديارا -أي صاحب ديار- فقال: (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك).. ولفظة (عبادك) توحي بأنهم المؤمنون. فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضع بهذا المعنى. وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من الله في عافية! ثم إنهم يوجدون بيئة وجوا يولد فيها الكفار، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها. وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام، وحكاها عنه القرآن: (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا).. فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل، وينشئون عادات وأوضاعا ونظما وتقاليد، ينشأ معها المواليد فجارا كفارا، كما قال نوح..

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أي: شخصاً حيّاً يعيش في داره ليتحرك فيها في ساحة الحياة، فلا بدّ من إهلاك كل الجيل القديم الذي تربّى على الكفر وأصرّ عليه واستغرق فيه، حتى أصبح الكفر جزءاً من ذاته، لينشأ جيلٌ جديدٌ على الإيمان وتقوى الله من أجل أن يبني الحياة بناءً قائماً على الحق والخير والعدل. ولم ينطلق نوح في هذا الدعاء المدمّر من عقدةٍ نفسية مستحكمةٍ في داخله، كما يفعل البعض من الناس عندما يواجهون التحدي والتمرّد والعناد من الآخرين الذين يرتبطون بهم من خلال الدعوة، أو من خلال أشياء أخرى، بل انطلق من خلال دراسةٍ طويلةٍ شاملةٍ عميقةٍ، استنفد فيها كل التجارب، فلم يعد هناك أيّ أملٍ في هدايتهم، بل أصبحت المسألة مسألة الخطر الذي يمثله وجود هؤلاء على الأجيال القادمة من أولادهم،