{ وقال نوح } وأسقط الأداة كما هو عادة أهل الحضرة فقال : { رب لا تذر } أي : لا تترك { على الأرض } أي : كلها { من الكافرين } أي : الراسخين في الكفر { دياراً } أي : أحداً يدور فيها وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي فيعال من الدور أو الدار لا فعال وإلا لكان دواراً . قال قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله تعالى دعوته وأغرق أمّته وهذا كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «اللهمّ منزل الكتاب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم » . وقيل : سبب دعائه أنّ رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفه فمرّ بنوح عليه السلام فقال : احذر هذا فإنه يضلك ، فقال : يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فحينئذ غضب ودعا عليهم .
فإن قيل : ما فعل صبيانهم حين أغرقوا ؟ أجيب : بأنهم أغرقوا معهم لا على وجه العقاب ولكن كما يموتون بالأنواع من أسباب الموت وكم منهم من يموت بالغرق والحرق وكان ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمّهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى » .
وعن الحسن أنه سئل عن ذلك ؟ فقال : علم الله تعالى براءتهم فأهلكهم بغير عذاب . وقال محمد بن كعب ومقاتل : إنما قال هذا حين أخرج الله تعالى كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام أمّهاتهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة ، وقيل : بسبعين سنة فأخبر الله تعالى نوحاً عليه السلام أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً كما قال تعالى : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [ هود : 36 ] فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله تعالى دعاءه فأهلكهم كلهم ، ولم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب لأنّ الله تعالى قال : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم } [ الفرقان : 37 ] ولم يوجد التكذيب من الأطفال . وقال ابن عربي : دعا نوح عليه السلام على الكافرين أجمعين ، ودعا النبيّ صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وكفى بهذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة ، وأمّا كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ، لأنّ مآله عندنا مجهول ، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة وإنما خص النبيّ صلى الله عليه وسلم عتبة وشيبة وأصحابه لعلمه بما لهم وما كشف الله له من الغطاء عن حالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.