فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } يعني لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر ، دعا عليهم بالهلاك ، قال قتادة دعا عليهم بعد أن أوحى إليه أنه { لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } فأجاب الله دعوته وأغرقهم ، وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطيه : إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة ، وقيل بأربعين ، قال قتادة : لم يكن فيهم صبي وقت العذاب وقال الحسن وأبو العالية : لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله وعدلا فيهم ، ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب .

ومعنى { ديّارا } من يسكن الديار ويدور في الأرض وأصله ديوار على فيعال من دار يدور فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى مثل القيام أصله قيوام ، وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل بالدار يقال ما بالدار ديار وديور أي أحد كقيام وقيوم ، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام ، وقيل الديار صاحب الديار ، والمعنى لا تدع أحدا منهم إلا أهلكته ، وقيل هو مأخوذ من الدوران وهو التحرك .

قال سليمان الجمل : انظر ما الحكمة في تأخيره عن قوله { مما خطيئاتهم أغرقوا } مع أن مقتضى الظاهر تقديمه عليه لكونه سببا لإغراقهم ، تأمل ، ثم رأيت ، أبا السعود : قال هذا عطف على نظيره السابق وقوله { مما خطيئاتهم } اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطاياهم التي عددها نوح ، وإشارة إلى أن استحقاقهم للإهلاك لأجلها أ ه كلام الجمل .