معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

قوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } ، قال أكثر المفسرين : أخر الدعاء إلى السحر ، وهو الوقت الذي يقول الله تعالى : هل من داع فأستجيب له فلما انتهى يعقوب إلى الموعد قام إلى الصلاة بالسحر ، فلما فرغ منها رفع يديه إلى الله عز وجل وقال : اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه واغفر لأولادي ما أتوا إلى أخيهم يوسف ، فأوحى الله تعالى إليه أني قد غفرت لك ولهم أجمعين . وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : { سوف استغفر لكم ربي } يعني ليلة الجمعة . قال وهب : كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة . وقال طاووس : أخر الدعاء إلى السحر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء . وعن الشعبي قال : { سوف أستغفر لكم ربي } ، قال : أسأل يوسف إن عفا عنكم أستغفر لكم ربي { إنه هو الغفور الرحيم } . روي أن يوسف كان قد بعث مع البشير إلى يعقوب مائتي راحلة وجهازا كثيرا ليأتوا بيعقوب وأهله وأولاده ، فتهيأ يعقوب للخروج إلى مصر ، فخرجوا وهم اثنان وسبعون من بين رجل وامرأة . وقال مسروق : كانوا ثلاثة وتسعين . فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه فخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجنود وركب أهل مصر معهما يتلقون يعقوب ، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على يهوذا فنظر إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا هذا فرعون مصر ، قال : لا هذا ابنك ، فلما دنا كل واحد من صاحبه ذهب يوسف يبدأ بالسلام ، فقال جبريل : لا حتى يبدأ يعقوب بالسلام ، فقال يعقوب : السلام عليك يا مذهب الأحزان . وروي أنهما نزلا وتعانقا . وقال الثوري : لما التقى يعقوب ويوسف عليهما السلام عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا ، فقال يوسف : يا أبت بكيت حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا ؟ قال : بلى يا بني ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك { فلما دخلوا على يوسف آوى إليه } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّيَ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : قال ولد يعقوب الذين كانوا فرّقوا بينه وبين يوسف : يا أبانا سل لنا ربك يعف عنا ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف فلا يعاقبنا بها في القيامة إنّا كُنّا خاطِئِينَ فيما فعلنا به ، فقد اعترفنا بذنوبنا . قال : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي يقول جل ثناؤه : قال يعقوب : سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفى يوسف .

ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أخر الدعاء إليه يعقوب لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم ، فقال بعضهم : أخر ذلك إلى السحر . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الرحمن بن إسحاق ، يذكر ، عن محارب ابن دثار ، قال : كان عمّ لي يأتي المسجد ، فسمع إنسانا يقول : اللهمّ دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت ، وهذا سَحَرٌ ، فاغفر لي قال : فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود ، فسأل عبد الله عن ذلك ، فقال : إن يعقوب أخّر بنيه إلى السحر بقوله : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن مسعود : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : أخرهم إلى السحر .

قال : حدثنا أبو سفيان الحميريّ ، عن العوام ، عن إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : أخرهم إلى السّحر .

قال : حدثنا عمرو ، عن خلاد الصّفّار ، عن عمرو بن قيس : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : في صلاة الليل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : أخرّ ذلك إلى السّحرَ .

وقال آخرون : أخّر ذلك إلى ليلة الجمعة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرنا ابن جُريج ، عن عطاء وعكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي يقول : «حَتّى تَأُتِيَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ . وهو قَوْلُ أخي يَعْقُوبَ لبَنِيهِ » .

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قَدْ قالَ أخِي يَعْقُوبُ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي ، يَقُولُ : حتى تَأْتيَ لَيْلَةُ الجُمُعَة » .

وقوله : إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ يقول : إن ربّي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم الرحيم بهم أن يعذّبهم بعد توبتهم منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

{ قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم } أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة ، أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو يعلم أنه عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ، ويؤيده ما روي أنه استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل وقال إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة وهو إن صح فدليل على نبوتهم وأن ما صدر عنهم كان قبل استنبائهم .