الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه – في قوله { سأستغفر لكم ربي } قال : إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السَحَر .

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { سأستغفر لكم ربي } قال : أخرهم إلى السَحَرِ ، وكان يصلي بالسحر .

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : لم أخر يعقوب بنيه في الاستغفار ؟ ! . . . قال : «أخرهم إلى السحر ؛ لأن دعاء السحر مستجاب » .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « في قصة قول أخي يعقوب لبنيه { سوف أستغفر لكم ربي } يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة » .

وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال جاء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال « بأبي أنت وأمي ، تفلت هذا القرآن من صدري . فما أجدني أقدر عليه ؟ . . . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الحسن ، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ، وينفع الله بهن من علمته ، ويثبت ما تعلمت في صدرك ؟ . . . قال : أجل يا رسول الله ، فعلمني . قال : إذا كانت ليلة الجمعة ، فإن استطعت أن تقوم ثلث الليل الأخير ، فإنه ساعة مشهودة ، والدعاء فيها مستجاب . وقد قال أخي يعقوب لبنيه { سوف أستغفر لكم ربي } يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة ، فإن لم تستطع ، فقم في وسطها ، فإن لم تستطع ، فقم في أولها ، فصل أربع ركعات ، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس ، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان ، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة ، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل ، فإذا فرغت من التشهد ، فاحمد الله وأحسن الثناء على الله ، وصلّ عليّ وعلى سائر النبيين ، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ولإِخوانك الذين سبقوك بالإِيمان ، ثم قل في آخر ذلك : اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني ، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ، اللهم بديع السماوات والأرض ، ذا الجلال والإِكرام والعزة التي لا ترام ، أسألك يا الله ، يا رحمن ، بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني ، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني . اللهم بديع السماوات والأرض ، ذا الجلال والإِكرام والعزة التي لا ترام ، أسألك يا ألله ، يا رحمن ، بجلالك ونور وجهك أن تنوّر بكتابك بصري ، وأن تطلق به لساني ، وأن تفرج به عن قلبي ، وأن تشرح به صدري ، وأن تغسل به بدني ، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ، ولا يؤتيه إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . يا أبا الحسن ، تفعل ذلك ثلاث جمع ، أو خمساً أو سبعاً ، بإِذن الله تعالى ، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمناً قط »

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - فوالله ما مكث علي - رضي الله عنه - إلا خمساً أو سبعاً ، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس ، قال « يا رسول الله ، إني كنت فيما خلا لا آخذ الأربع آيات ونحوهن ، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن ، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها ، فإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني ، ولقد كنت أسمع الحديث ، فإذا رددته تفلت . وأنا اليوم أسمع الأحاديث ، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفاً . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن . . . » .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن عمرو بن قيس - رضي الله عنه - في قوله { سأستغفر لكم ربي } قال : في صلاة الليل .

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : إن الله لما جمع ليعقوب عليه السلام شمله ببنيه وأقر عينه ، خلا ولده نجيا . فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ ؟ فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جنب أبيه قاعد ، قالوا : يا أبانا ، أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله ، حتى حركوه - والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أرحم البرية - فقال : ما لكم يا بني ؟ ؟ ؟ . . . قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قالا بلى . قالوا : أفلستما قد عفوتما ؟ قلا بلى : قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا إن كان الله لم يغن عنا . قال : فما تريد يا بني ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله ، فإذا جاءك من عند الله بأنه قد عفا ، قرت أعيننا واطمأنت قلوبنا . وإلا ، فلا قرة عين في الدنيا لنا أبداً . قال : فقام الشيخ فاستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين . فدعا وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة ، حتى إذا كان رأس العشرين ، نزل جبريل عليه السلام على يعقوب عليه السلام فقال : إن الله بعثني أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وإنه قد عفا عما صنعوا ، وإنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوّة .

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن - رضي الله عنه - قال : لما جمع الله ليعقوب عليه السلام بنيه ، قال ليوسف : حدثني ، ما صنع بك إخوتك ؟ قال : فابتدأ يحدثه ، فغشي عليه جزعاً .

فقال : يا أبت ، إن هذا من أهون ما صنعوا بي ، فقال لهم يعقوب عليه السلام : يا بني ، أما لكم موقف بين يدي الله تخافون أن يسألكم عما صنعتم ؟ قالوا يا أبانا ، قد كان ذاك فاستغفر لنا ، قال : وقد كان الله تبارك وتعالى عود يعقوب عليه السلام ، إذا سأله حاجة أن يعطيها إياه في أول يوم أو في الثاني أو الثالث لا محالة - فقال : إذا كان السحر ، فأفيضوا عليكم من الماء ، ثم البسوا ثيابكم التي تصونوها ، ثم هلموا إلي : ففعلوا فجاؤوا ، فقام يعقوب أمامهم ويوسف عليه السلام خلفه ، وهم خلف يوسف إلى أن طلعت الشمس لم تنزل عليهم التوبة ، ثم اليوم الثاني ، ثم اليوم الثالث ، فلما كانت الليلة الرابعة ، ناموا ، فجاءهم يعقوب عليه السلام فقال : يا بني ، تنامون والله عليكم ساخط ؟ ! فقوموا . فقام وقاموا عشرين سنة يطلبون إلى الله الحاجة ، فأوحى الله إلى يعقوب عليه السلام : إني قد تبت عليهم وقبلت توبتهم . قال : يا رب ، النبوّة قال : قد أخذت ميثاقهم في النبيين .

وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عائشة قال : ما تيب على ولد يعقوب إلا بعد عشرين سنة ، وكان أبوهم بين أيديهم فما تيب عليهم ، حتى نزل جبريل عليه السلام فعلمه هذا الدعاء «يا رجاء المؤمنين ، لا تقطع رجاءنا ، يا غياث المؤمنين ، أغثنا . يا مانع المؤمنين ، امنعنا . يا مجيب التائبين ، تب علينا » . قال : فأخره إلى السحر فدعا به ، فتيب عليهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الليث بن سعد ، أن يعقوب وإخوة يوسف ، أقاموا عشرين سنة يطلبون فيما فعل إخوة يوسف بيوسف ، لا يقبل ذلك منهم ، حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين ، لا تخيب رجائي ، ويا غوث المؤمنين ؛ أغثني . ويا عون المؤمنين ، أعني . يا حبيب التوّابين ، تب علي . فاستجيب لهم .

وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله { سوف أستغفر لكم ربي . . . } إلى قوله { إن شاء الله آمنين } قال يوسف : أستغفر لكم ربي إن شاء الله . وبين هذا وبين ذاك ما بينه قال : وهذا من تقديم القرآن وتأخيره . قال أبو عبيد : ذهب ابن جريج إلى أن الاستثناء في قوله { إن شاء الله } من كلام يعقوب عليه السلام ، حين قال ادخلوا مصر .

وأخرج ابن جرير عن أبي عمران الجوني - رضي الله عنه - قال : ما قص الله علينا نبأهم يعيرهم بذلك إنهم أنبياء من أهل الجنة ، ولكن قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده .