ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك جانبا من أهوال يوم القيامة فقال : { فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ . عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ } .
والفاء فى قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور } للسببية . والناقور - بزنة فاعول : من النقر ، وهو اسم لما ينقر فيه ، أى : لما ينادى فيه بصوت مرتفع .
والمراد به هنا : الصور أو القرن الذين ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله - تعالى - النفخة الثانية التى يكون بعدها الحساب والجزاء .
و { الناقور } الذي ينفخ فيه وهو الصور ، قاله ابن عباس وعكرمة . وقال خفاف بن ندبة : [ الوافر ]
إذا ناقورهم يوماً تبدى*** أجاب الناس من غرب وشرق{[11416]}
وهو فاعول من النقر ، وقال أبو حبان{[11417]} :
أمنا زرارة بن أوفى{[11418]} فلما بلغ في الناقور خر ميتاً .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ » ففزع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : كيف نقول يا رسول الله ؟ قال : «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا »{[11419]} .
الفاء لتسبب هذا الوعيد عن الأمر بالإِنذار في قوله { فأنذر } [ المدثر : 2 ] ، أي فأنذر المنذَرين وأنذرهم وقتَ النقر في الناقور وما يقع يومئذٍ بالذين أُنذروا فأعرضوا عن التذكرة ، إذ الفاء يجب أن تكون مرتبطة بالكلام الذي قبلها .
ويجوز أن يكون معطوفاً على { فاصبر } [ المدثر : 7 ] بناء على أنه أمر بالصبر على أذى المشركين .
و { الناقور } : البوق الذي ينادى به الجيش ويسمى الصُّور وهو قرن كبير ، أو شبهُه ينفخ فيه النافخ لنداء ناس يجتمعون إليه من جيش ونحوه ، قال خُفاف بن نَدْبَةَ :
إذا نَاقورُهم يوماً تَبَدَّى *** أجاب الناسُ من غرب وشَرق
ووزنه فاعول وهو زنة لما يقع به الفعل من النقْر وهو صوت اللسان مثل الصفير فقوله نُقر ، أي صُوِّت ، أي صوَّت مُصَوِّتٌ . وتقدم ذكر الصور في سورة الحاقة .
و ( إذا ) اسم زمان أضيف إلى جملة { نقر في الناقور } وهو ظرف وعامله ما دل عليه قوله : { فَذلك يومئذٍ يوم عسير } لأنه في قوة فِعْل ، أي عَسُر الأمرُ على الكافرين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني نفخ في الصور، والناقور: القرن الذين ينفخ فيه إسرافيل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ، فذلك يومئذ يوم شديد.
عن ابن عباس، في قوله" فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ»، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نقول؟ فقال: «تقولون: حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا.
عن مجاهد، قوله "فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ" قال: في الصور، قال: هي شيء كهيئة البوق.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يعني: إذا قامت القيامةُ، فذلك يومٌ عسيرٌ على الكافرين غيرُ هيِّنٍ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان المقام للإنذار، وكان من رد الأوامر تكذيباً كفر، ومن تهاون بها ما أطاع ولا شكر، حذر من الفتور عنها بذكر ما للمكذب بها، فقال مسبباً عن ذلك باعثاً على اكتساب الخيرات من غير كسل ولا توقف، مذكراً بأن الملك التقم القرن وأصغى بجبهته انتظاراً للأمر بالنفخ، مشيراً بالبناء للمفعول إلى هوانه لديه وخفته عليه مؤذناً بأداة التحقق أنه لا بد من وقوعه: {فإذا نقر} أي نفخ وصوّت بشدة وصلابة ونفوذ وإنكاء {في الناقور} أي الصور وهو القرن الذي إسرافيل عليه السلام ملتقمه الآن وهو مصغ لانتظار الأمر بالنفخ فيه للقيامة، ويجوز أن يراد الأيام التي يقضي فيها بالذل على الكافرين كيوم بدر والفتح وغيرهما كما جعلت الساعة والقيامة كناية عن الموت، فقال صلى الله عليه وسلم:
"من مات فقد قامت قيامته " عبر عنه بالنقر إشارة إلى أنه في شدته كالنقر في الصلب فيكون عنه صوت هائل، وأصل النقر القرع الذي هو سبب الصوت فهو أشد من صدعك لهم بالإنذار للحذار من دار البوار، فهنالك ترد الأرواح إلى أجسادها، فيبعث الناس فيقومون من قبورهم كنفس واحدة، وترى عاقبة الصبر، ويرى أعداؤك عاقبة الكبر، والتعبير فيه بصيغة المبالغة وجعله فاعلاً كالجاسوس إشارة إلى زيادة العظمة حتى كأنه هو الفاعل على هيئة هي في غاية الشدة والقوة، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم من النفخ في الصور وقربه فقالوا: " كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل".
ويجوز أن يكون التسبب عن الأمر بالصبر، أي اصبر فلنأخذن بثأرك في ذلك اليوم بما يقر عينك، فيكون تسلية له صلى الله عليه وسلم وتهديداً لهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا انتهى هذا التوجيه الإلهي للنبي الكريم، اتجه السياق إلى بيان ما ينذر به الآخرين، في لمسة توقظ الحس لليوم العسير، الذي ينذر بمقدمه النذير: (فإذا نقر في الناقور. فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير).. والنقر في الناقور، هو ما يعبر عنه في مواضع أخرى بالنفخ في الصور. ولكن التعبير هنا أشد إيحاء بشدة الصوت ورنينه؛ كأنه نقر يصوت ويدوي. والصوت الذي ينقر الآذان أشد وقعا من الصوت الذي تسمعه الآذان..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.