تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { فإذا نقر في الناقور } نقر أي نفخ ، والناقور الصور ، وهي كلمة{[22579]} كتب الأولين ، ذكرها ههنا : { فإذا نقر في الناقور } وقال في موضع آخر : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة }[ الحاقة : 13 ] وقال في مواضع{[22580]} : { إن كانت إلا صيحة واحدة }[ يس : 29و . . . ] فجائز أن يحمل هذا كله على التحقيق ، فتتحقق الصيحة والزجرة والنقرة ، ثم تعقبها الساعة .

وجائز أن يكون هذا على التمثيل ، فيكون فيه إخبار عن سهولة ذلك الأمر ، وهونه على الله تعالى لأن اللمحة [ والصيحة ]{[22581]} والزجرة والنفخة والنقرة أمر سهل ، لا يشتد على أحد ، أو يكون على تقصير الوقت على الذين ينفخ فيهم الروح ، أي الأرواح ترد عليهم في قدر النفخة والزجرة والصيحة خلافا لأمر النشأة الأولى ، لأنه في النشأة الأولى إنما ينفخ فيه الروح بعد كونه نطفة في بطن أمه أربعين يوما ثن علقة ثم مضغة لذلك القدر من المدة ، ثم ينفخ فيه الروح بعد مدد وأوقات .

وفي النشأة الأخرى ينفخ بالقصر من المدة ؛ وذلك قدر النفخة والزجرة والصيحة واللمحة ، والله أعلم .

وإنما قلنا : إن التأويل قد يتوجه إلى التمثيل دون التحقيق ، وإن ذكر في بعض الأحاديث تثبيت الصور والناقور لأنها من أخبار الآحاد ، وخبر الآحاد يوجب علم العمل ؛ ولا يوجب علم الشهادة ، وفي تحقيق الصور والناقور ليس إلا الشهادة . لذلك لم يحصل الأمر على التحقيق والقطع لئلا يقطع الحكم على الشهادة .

ثم قد ذكرنا أن قوله : { فإذا } جواب سؤال واقع عن تبيين وقت ؛ كأنه قيل له : فاصبر إلى أن ينقر في الناقور أو يكون جوابا لقوله : { قم فأنذر } أي فأنذرهم عما يحل بأهل الشر من العذاب بنقر الناقور ، أو جوابا[ لقوله ]{[22582]} : { سأرهقه صعودا }[ المدثر : 17 ]{ فإذا نقر في الناقور } أو كان السؤال واقعا عن أمر لم يشر إلى ذلك الأمر ، والله أعلم .


[22579]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل: كلما، في م: كلام.
[22580]:في الأصل و م: موضع.
[22581]:ساقطة من الأصل و م.
[22582]:ساقطة من الأصل و م.