قوله تعالى : { أفلم يدبروا } أي : يتدبروا ، { القول } يعني : ما جاءهم من القول وهو القرآن ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، { أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } فأنكروا ، يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلاً إلى قومهم كذلك بعثنا محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم . وقيل : ( ( أم ) ) بمعنى بل ، يعني : جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروا .
ثم تنتقل السورة الكريمة من تأنيبهم وتيئيسهم من الاستجابة لجؤارهم ، إلى سؤالهم بأسلوب توبيخى عن الأسباب التى أدت بهم إلى الإعراض عما جاءهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم فتقول : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ . . . } .
قال الجمل : قوله - تعالى - : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول . . . } شروع فى بيان أسباب حاملة لهم على ما سبق من قوله - تعالى - : { فَكُنتُمْ على أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُون . . . } إلخ .
والهمزة لإنكار ما هم فيه من عدم التدبر واستقباحه ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام : والمراد بالقول : القرآن الكريم وما اشتمل عليه من هدايات .
والمعنى : أفعلوا ما فعلوا من النكوص على الأعقاب ، ومن الغرور ومن الهذيان بالباطل من القول ، فلم يتدبروا هذا القرآن ، ولم يتفكروا فيما اشتمل عليه من توجيهات حكيمة . . .
إنهم لو تدبروه لوجدوا فيه من العظات والآداب والأحكام ، والقصص ، والعقائد ، والتشريعات . . . . ما يسعدهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم .
فالجملة الكريمة تحضهم على تدبر هذا القرآن ، لأنهم إن تدبروه تدبرا صادقاً . لعلموا أنه الحق الذى لا يحوم حوله باطل .
وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } وقوله - سبحانه - : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } وبعد أن وبخهم - سبحانه - على تركهم الانتفاع بالقرآن . أتبع ذلك بتقريعهم على أن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم يتفق فى أصوله مع ما جاء به الرسل السابقون لآبائهم الأولين .
أى : أكذبوا رسولهم لأنه جاءهم بما لم يأت به الرسل لآبائهم ؟ كلا ، فإن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم يطابق - فى جوهره - ما جاء به إبراهيم وإسماعيل وغيرهما ، من آبائهم الأولين .
قال - تعالى - { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ . . } وقال - سبحانه - : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ . . . } ويجوز أن يكون المعنى : أكذب هؤلاء الجاهلون رسولهم صلى الله عليه وسلم لأنهم فى أمان من العذاب ، وهذا الأمان لم يكن فيه آباؤهم الأولون ؟
كلا ، وإن من شأن العقلاء أنهم لا يأمنون مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
قال الآلوسى : وأم فى قوله - تعالى - { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأولين } منقطعة ، وما فيها من معنى بل ، للإضراب والانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر . والهمزة فإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع . أى : بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين ، حتى استبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال ، بمعنى أن مجىء الكتب من جهته - تعالى - إلى الرسل قديمة له - تعالى - وأن مجىء القرآن جار على هذه السنة فلماذا ينكرونه ؟
وقيل المعنى : أفلم يدبروا القرآن ليخافوا عند تدبر آياته ، ما نزل بمن قبلهم من المكذبين ، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم الأولين ، حين خافوا الله - تعالى - فآمنوا به وبكتبه ورسله ، فالمراد بآبائهم : " المؤمنون " منهم كإسماعيل - عليه السلام - .
ثم وبخهم على إعراضهم بعد تدبر القول لأنهم بعد التدبر والنظر الفاسد ، قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وسائر ذلك ، وقوله { أم جاءهم } كذلك توبيخ أيضاً والمعنى أأبدع لهم أمر لم يكن في الناس قبلهم بل قد جاء الرسل قبل كنوح وإبراهيم وإسماعيل وفي هذا التأويل من التجوز أن جعل سالف الأمم «آباء » إذ الناس في الجملة آخرهم من أولهم ، ويحتمل اللفظ معنى آخر على أن يراد ب { آباءهم الأولين } من فرط من سلفهم في العرب فكأنه قال : أفلم يدبروا القول أم جاءهم أمر غريب من عند الله لم يأت { آباءهم } فبهر عقولهم ونبت أذهانهم عن أمر من أمور الله غريب في سلفهم والمعنى الأول أبين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.