معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ} (42)

فلما انقضت مدة بلائه قيل له { اركض برجلك } اضرب برجلك في الأرض ففعل فنبعت عين ماء ، { هذا مغتسل } فأمره الله أن يغتسل منها ، ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة ، فركض الأرض برجله الأخرى ، فنبعت عين أخرى ، ماء عذب بارد ، فشرب منها ، فذهب كل داء كان بباطنه ، فقوله له { مغتسل بارد } يعني : الذي اغتسل منه بارد { وشراب } أراد الذي شرب منه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ} (42)

وقوله - سبحانه - : { اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } حكاية لما قيل له بعد ندائه لربه ، أو مقول لقول محذوف معطوف على قوله { نادى } .

وقوله : { اركض } بمعنى الدفع والتحريك للشئ . يقال : ركض فلان الدابة برجلة إذا دفعها وحركها بها .

والمغتسل : اسم للمكان الذى يغتسل فيه ، والمراد به هنا : الماء الذى يغتسل به .

وقوله : { هذا مُغْتَسَلٌ } مقول لقول محذوف .

والمعنى : لقد نادانا عبدنا أيوب بعد أن أصابه من الضر ما أصابه ، والتمس منا الرحمة والشفاء مما نزل به من مرض ، فاستجبنا له دعاءه ، وأرشدناه إلى الدواء ، بأن قلنا له : { اركض بِرِجْلِكَ } أى : اضرب بها الأرض ، فضربها فنبعت من تحت رجله عين الماء ، فقلنا له : هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه ، برئت من الأمراض ، ففعل ما أمرناه به ، فبرئ بإذننا من كل داء

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ} (42)

فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله . ففعل فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تعالى : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } : قال ابن جرير ، وابن أبي حاتم جميعًا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه : تعلم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله ، فيكشفَ ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله تعالى إلى أيوب ، عليه السلام ، أن { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فاستبطأته فتلقته تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان . فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى . فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض . هذا لفظ ابن جرير رحمه الله وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا مَعْمَر عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك " . انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به . ولهذا قال تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ} (42)

جملة { اركض برِجلِك } الخ مقولة لقول محذوف ، أي قلنا له اركض برجلك ، وذلك إيذان بأن هذا استجابة لدعائه .

والرّكْض : الضرب في الأرض بالرجل ، فقوله : { بِرِجْلِكَ } زيادة في بيان معنى الفعل مثل : { ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] وقد سمّى الله ذلك استجابة في سورة [ الأنبياء : 84 ] إذ قال : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } . وجملة { هذا مُغْتسلٌ } مقولة لقول محذوف دل عليه المقول الأول ، وفي الكلام حذف دلّت عليه الإِشارة . فالتقدير : فركض الأرض فنبع ماء فقلنا له : هذا مغتسل بارد وشراب . فالإِشارة إلى ماء لأنه الذي يغتسل به ويشرب .

ووصْف الماء بذلك في سياق الثناء عليه مشير إلى أن ذلك الماء فيه شفاؤه إذا اغتسل به وشَرب منه ليتناسب قول الله له مع ندائه ربّه لظهور أن القول عقب النداء هو قول استجابة الدعاء من المدعو . و { مغتسل } اسم مفعول من فعل اغتسل ، أي مغتسل به فهو على حذف حرف الجر وإيصال المغتسل القاصر إلى المفعول مثل قوله :

تَمرُّون الديارَ ولم تعُوجوا

ووصفه ب { بَارِدٌ } إيماء إلى أن به زوال ما بأيوب من الحمى من القروح . قال النبي صلى الله عليه وسلم " الحُمى من فَيْح جهنم فأطفئوها بالماء " ، أي نافع شاف ، وبالتنوين استُغني عن وصف { شراب } إذ من المعلوم أن الماء شراب فلولا إرادة التعظيم بالتنوين لكان الإِخبار عن الماء بأنه شراب إخباراً بأمر معلوم ، ومرجع تعظيم { شراب } إلى كونه عظيماً لأيوب وهو شفاء ما به من مرض .