الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ} (42)

وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن الشيطان عرج إلى السماء قال : يا رب سلطني على أيوب عليه السلام قال الله : قد سلطتك على ماله وولده ، ولم أسلطك على جسده . فنزل فجمع جنوده فقال لهم : قد سلطت على أيوب عليه السلام ، فأروني سلطانكم ، فصاروا نيراناً ، ثم صاروا ماء ، فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب ، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق ، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه ، وطائفة إلى أهله ، وطائفة إلى بقره ، وطائفة إلى غنمه ، وقال : إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف . فأتوه بالمصائب بعضها على بعض . فجاء صاحب الزرع فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوّاً ، فذهب به . وجاء صاحب الإِبل فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدواً ، فذهب بها ؟ ثم جاءه صاحب البقر فقال : ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدواً ، فذهب بها ؟ وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم .

فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح ، فأخذت بأركان البيت ، فألقته عليهم ، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم ؟ فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح ، فأخذت باركان البيت ، فألقته عليهم ، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم . فقال له أيوب : أنت الشيطان ، ثم قال له أنا اليوم كيوم ولدتني أمي ، فقام فحلق رأسه ، وقام يصلي ، فرن إبليس رنة سمع بها أهل السماء ، وأهل الأرض ، ثم خرج إلى السماء فقال : أي رب انه قد اعتصم ، فسلطني عليه ، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال : قد سلطتك على جسده ، ولم أسلطك على قلبه .

فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدميه إلى قرنه ، فصار قرحة واحدة ، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه ، فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له : أما ترى يا أيوب نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف . فأطعمك ، فادع الله أن يشفيك ويريحك قال : ويحك . . ! كنا في النعيم سبعين عاماً ، فأصبري حتى نكون في الضر سبعين عاماً ، فكان في البلاء سبع سنين ، ودعا فجاء جبريل عليه السلام يوماً ، فأخذ بيده ، ثم قال : قم . فقام فنحاه عن مكانه وقال { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فركض برجله ، فنبعت عين فقال : اغتسل . فاغتسل منها ، ثم جاء أيضاً فقال { اركض برجلك } فنبعت عين أخرى . فقال له : اشرب منها ، وهو قوله { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } وألبسه الله تعالى حلة من الجنة ، فتنحى أيوب ، فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه فقالت : يا عبد الله أين المبتلي الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به ، والذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة فقال : ويحك . . ! أنا أيوب قد رد الله عليّ جسدي ، ورد الله عليه ماله وولده عياناً { ومثلهم معهم } وأمطر عليهم جراداً من ذهب ، فجعل يأخذ الجراد بيده ، ثم يجعله في ثوبه ، وينشر كساءه ، فيجعل فيه فأوحى الله إليه : يا أيوب أما شبعت ؟ قال : يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك .

وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن إبليس قعد على الطريق ، فاتخذ تابوتاً يداوي الناس فقالت امرأة أيوب : يا عبد الله إن ههنا مبتلي من أمره كذا وكذا . . فهل لك أن تداويه ؟ قال : نعم . بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره . فأتت أيوب عليه السلام فذكرت ذلك له فقال : ويحك . . ! ذاك الشيطان لله عليَّ إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مائة جلدة ، فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثاً فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ ، فضرب بها ضربة واحدة .

وأخرج ابن أبي حاتم قال : الشيطان الذي مس أيوب يقال له مسوط . فقالت امرأة أيوب ادع الله يشفيك ، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه ، فعند ذلك قال : { ربِ أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } [ الأنبياء : 83 ] .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله { اركض برجلك هذا } الماء { مغتسل بارد وشراب } قال : ركض رجله اليمنى فنبعت عين ، وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين ، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ضرب برجله أرضاً يقال لها الحمامة ، فإذا عينان ينبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه أن نبي الله أيوب عليه السلام لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء ، فأوحى الله تعالى إليه { أن اركض برجلك } فنبعت عين ، فاغتسل منها فذهب ما به ، ثم مشى أربعين ذراعاً ، ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها .

وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال : إن نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه الذي أصابه قال إبليس : يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم وتخلف له ماله وسلطانه سلطني على جسده قال : اذهب فقد سلطتك على جسده ، وإياك يا خبيث ونفسه قال فنفخ فيه نفخة سقط لحمه ، فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده قالوا يا سيدنا ما أغضبك ؟ فقال ألا أغضب إني أخرجت آدم من الجنة وإن ولده هذا الضعيف قد غلبني فقالوا : يا سيدنا ما فعلت امرأته ؟ فقال : حية فقال : أما هي فقد كفيك أمرها فقال له : فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه فجاء إليها فاستبرأها ، فأتت أيوب فقالت له : يا أيوب إلى متى هذا البلاء ؟ كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها : فعلتها أنت أيضاً . ثم قال لها أما والله لئن الله تعالى عافاني لأجلدنك مائة جلدة فقال { رب أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } فأتاه جبريل عليه السلام فقال { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فرجع إليه حسنه وشبابه ، ثم جلس على تل من التراب فجاءته امرأته بطعامه فلم تر له أثراً فقالت لأيوب عليه السلام وهو على التل : يا عبد الله هل رأيت مبتلي كان ههنا ؟ فقال لها : إن رأيتيه تعرفينه ؟ فقالت له لعلك أنت هو ؟ قال : نعم . فأوحى الله إليه أن { خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } قال : والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة .