معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

{ فرت من قسورة } قال مجاهد وقتادة والضحاك : القسورة : جماعة الرماة ، لا واحد لها من لفظها ، وهي رواية عطاء عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس . وقال زيد بن أسلم هم رجال أقوياء ، وكل ضخم شديد عند العرب : قسور وقسورة . وعن أبي المتوكل قال : هي لغط القوم وأصواتهم . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هي حبال الصيادين . وقال أبو هريرة : هي الأسد ، وهو قول عطاء والكلبي ، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن هربوا منه . قال عكرمة : هي ظلمة الليل ، ويقال لسواد أول الليل قسورة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

والاستفهام فى قوله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ . كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ . فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } للتعجيب من إصرارهم على كفرهم ، ومن إعراضهم عن الحق الذى دعاهم إليه نبيهم صلى الله عليه وسلم .

والمراد بالتذكرة : التذكير بمواعظ القرآن وإرشاداته ، والحمر : جمع حمار ، والمرادبه الحمار الوحشى المعروف بشدة نفوره وهروبه إذا ما أحس بحركة المقتنص له .

وقوله : { مُّسْتَنفِرَةٌ } أى : شديدة النفور والهرب فالسين والتاء للمبالغة .

والقسورة : الأسد ، سمى بذلك لأنه يقسر غيره من السباع ويقهرها ، وقيل : القسورة اسم الجماعة الرماة الذين يطاردون الحمر الوحشية ، ولا واحد له من لفظه ، ويطلق هذا اللفظ عند العرب على كل من كان بالغ النهاية فى الضخامة والقوة . من القسر بمعنى القهر . أى : ما الذى حدث لهؤلاء الجاحدين المجرمين ، فجعلهم يصرون إصرارا تاما على الإِعراض عن مواعظ القرآن الكريم ، وعن هداياته وإرشاداته ، وأوامره ونواهيه . . حتى لكأنهم - فى شدة إعراضهم عنه ، ونفورهم منه - حمر وحشية قد نفرت بسرعة وشدة من أسد يريد أن يفترسها ، أو من جماعة من الرماة أعدوا العدة لاصطيادها ؟

قال صاحب الكشاف : شبههم - سبحانه - فى إعراضهم عن القرآن ، واستماع الذكر والموعظة ، وشرادهم عنه - بحمر جدت فى نفارها مما أفزعها .

وفى تشبيههم بالحمر : مذمة ظاهرة ، وتهجين لحالهم بين ، كما فى قوله - تعالى - : { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } وشهادة عليهم بالبلة وقلة العقل ، ولا ترى مثل نفار حمير الوحش ، واطرادها فى العدو ، إذا رابها رائب ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب ، فى وصف الإِبل ، وشدة سيرها ، بالحمر ، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص . .

والتعبير بقوله : { فَمَا لَهُمْ . . . } وما يشبهه قد كثر استعماله فى القرآن الكريم ، كما فى قوله - تعالى - : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . . . } والمقصود منه التعجيب من إصرار المخاطبين على باطلهم ، أو على معتقد من معتقداتهم . . مع أن الشواهد والبينات تدل على خلاف ذلك .

وقال - سبحانه - { عَنِ التذكرة } بالتعميم ، ليشمل إعراضهم كل شئ يذكرهم بالحق ، ويصرفهم عن الباطل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } أي : كأنهم في نفارهم عن الحق ، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس - في رواية - عنه وزيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن . أو : رام ، وهو رواية{[29529]} عن ابن عباس ، وهو قول الجمهور .

وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران{[29530]} عن ابن عباس : الأسد ، بالعربية ، ويقال له بالحبشية : قسورة ، وبالفارسية : شير{[29531]} وبالنبطية : أويا .


[29529]:- (3) في م: "وهما روايتان".
[29530]:- (1) في أ: "يوسف بن ماهك".
[29531]:- (2) في أ: "بتار".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

قوله تعالى { فرت } وبذلك رجح أبو علي قراءة كسر {[11454]}الفاء ، واختلف المفسرون في معنى القسورة فقال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : «القسورة » الرماة ، وقال ابن عباس أيضاً وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : «القسورة » الأسد ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

مضمر تحذره الأبطال*** كأنه القسورة الرئبال{[11455]}

وقال ابن جبير : «القسورة » : رجال القنص ، وقاله ابن عباس أيضاً ، وقيل : «القسورة » ركز الناس ، وقيل : «القسورة » الرجال الشداد ، قال لبيد :

إذا ما هتفنا هتفة في ندينا*** أتانا الرجال العاندون القساور{[11456]}

وقال ثعلب : «القسورة » سواد أول الليل خاصة لآخره أو اللفظة مأخوذة من القسر الذي هو الغلبة والقهر .


[11454]:قال الفراء في "معاني القرآن": وهما جميعا كثيرتان في كلام العرب – يعني اللغتين- ثم أنشد دليلا على الكسر: أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب و (غرب) جبل دون الشام في بلاد بني كلب، وعنده عين ماء يقال لها: الغربة، والبيت في القرطبي وفي المحيط وفي اللسان.
[11455]:الضمور: الهزال والتصاق البطن بالظهر، وهو دليل على سلامة الجسم، والقسورة: الأسد، وهذا هو المعروف فيه، وإن كان اللغويون قد ذكروا فيه أقوالا كثيرة، فهو الرامي والصائد، والكلب، والعزيز يقتسر غيره ويقهره، والرئبال: واحد من أسماء الأسد، يهمز ولا يهمز، ولم أقف على قائل البيت.
[11456]:هذا بيت من "متفرقات" نسبت إلى لبيد، وذكرت في آخر الديوان، والرواية فيه "الصائدون" بدلا من "العاندون" وهو في القرطبي "العائدون" وفي البحر المحيط، "الصائدون" وفي فتح القدير "العابدون". ويحاول بعض الشراح توضيح معنى "الصائد" بأنه من الصيد وهو ميل العنق من الكبر أو من المرض، أما "العائدون" و"العابدون" فلا نجد لهمها هنا معنى، وأما "العاندون" فهي جمع عاند وهو الباغي الذي يرد الحق مع العلم به، ومنه قوله تعالى: (وخاب كل جبار عنيد)، قالوا في تفسيره: هو الطاغي المجاوز للقدر، الذي يعرف الشيء فيميل عنه ويأباه. والندي: المجلس ما دام القوم مجتمعين فيه، فإذا تفرقوا عنه فليس بندى، ومثله النادي، والقساور: جمع قسورة وهو الأسد في الأصل، والمراد به هنا الرجال الأشداء، يقول : إذا ما صحنا صيحة القوة في مجتمعنا خضع لنا الرجال الأشداء المتكبرون الذين لا يخضعون لأحد كبرا وعنادا.