الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

ورجَّحَ بعضُهم الكسرَ لقولِه " فَرَّتْ " للتناسُبِ . وحكى محمدُ ابنُ سَلاَّم قال : " سألتُ أبا سَوَّار الغَنَويَّ وكان عربياً فصيحاً ، فقلت : كأنهم/ حُمُرٌ ماذا ؟ فقال : مُسْتَنْفَرَة طَرَدَها قَسْورة . فقلت : إنما هو { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } فقال : أفرَّتْ ؟ قلت : نعم . قال : " فمُسْتَنْفِرة إذن " انتهى . يعني أنها مع قولِه " طَرَدها " تُناسِبُ الفتحَ لأنَّها اسمُ مفعولٍ فلما أُخْبر بأنَّ التلاوةَ { فَرَّتْ مِن قسْورة } رَجَعَ إلى الكسرِ للتناسُبِ ، إلاَّ أنَ بمثلِ هذه الحكاية لا تُرَدُّ القراءةُ المتواترةُ .

والقَسْوَرَةُ : قيل : الصائِدُ . وقيل : ظلمةُ الليل . وقيل : الأسد ، ومنه قولُ الشاعر :

مُضَمَّرٌ تَحْذَرُه الأبطالُ *** كأنه القَسْوَرَةُ الرِّئْبالُ

أي : الأسد ، إلاَّ إنَّ ابن عباس أنكرَه ، وقال : لا أعرفُ القَسْوَرَةَ : الأسدَ في لغة العرب ، وإنما القَسْوَرَةُ : عَصَبُ الرجال ، وأنشد :

يا بنتُ ، كثوني خَيْرَةً لخَيِّرَهْ *** أخوالُها الجِنُّ وأهلُ القَسْوَرَهْ

وقيل : هم الرُّماةُ ، وأنشدوا للبيد بن ربيعة :

إذا ما هَتَفْنا هَتْفَةً في نَدِيِّنا *** أتانا الرجالُ العانِدون القساوِرُ

والجملةُ مِنْ قولِه " فَرَّتْ " يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً ل " حُمُر " مثلَ " مُسْتَنْفرة " ، وأنْ تكونَ حالاً ، قاله أبو البقاء .