اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

50

والقَسْورة : قيل : الصَّائد ، أي : نفرت وهربت من قسورة ، أي : من الصائد .

وقيل : الرُّماة يرمُونها .

وقيل : هو اسم جمع لا واحد له .

وقال بعض أهل اللغة : إن «القَسْوَرة » : الرامي ، وجمعه : القساورة .

ولذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان : «القسورة » وهم الرماة والصيَّادون{[58596]} ، ورواه عطاء عن ابن عباس وأبو ظبيان عن أبي موسى الأشعري ، وأنشدوا للبيد بن ربيعة : [ الطويل ]

4975 - إذَا مَا هَتفْنَا هَتْفةً في نَديِّنَا***أتَانَا الرِّجالُ العَائِدُون القَساوِرُ{[58597]}

وقيل : «القسورة » : الأسد . قاله أبو هريرة ، وابن عباس أيضاً رضي الله عنه .

قال ابن عرفة : من القسْرِ بمعنى القهْرِ ، أي : أنه يقهرُ السِّباع والحمر الوحشيَّة تهرب من السباع ؛ ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

4876 - مُضمرٌ يَحْذَرُهُ الأبطَالُ*** كَأَنَّهُ القَسْوَرَةُ الرِّئبَالُ{[58598]}

أي : الأسد ، إلا أن ابن عباس أنكره ، وقال لا أعرف القسورة أسد في لغة أحد من العرب ، وإنما القسورة : عصبُ الرجال ؛ وأنشد : [ الرجز ]

4977 - يَا بِنْتُ كُونِي خَيرةً لِخيِّرهْ***أخْوالُهَا الجِنُّ وأهْلُ القَسْوره{[58599]}

وقيل : القَسْورةُ : ظُلمَة الليل ، قال ابن الأعرابي : وهو قول عكرمة .

وعن ابن عباس : ركز الناس ؛ أي حسُّهم وأصواتهم{[58600]} .

وعنه أيضاً : { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } أي : من حبال الصيادين{[58601]} ، وعنه أيضاً : القسورة بلسان «الحَبَشَةَ » الأسد{[58602]} ، وخالفه عكرمة فقال : الأسد بلسان «الحبشة » : عَنْبَسة ، وبلسان «الحبشة » : الرُّماة ، وبلسان «فارس » : شير ، وبلسان «النَّبْط » : أريا{[58603]} .

وقيل : هو أوَّل سواد الليل ، ولا يقال لآخر سواد الليل : قسورة .

فصل في المراد بالحمر المستنفرة

قال ابن عباس : كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد صلى الله عليه وسلم حمر مستنفرة ، قال ابن عباس : أراد الحمر الوحشية{[58604]} .

قال الزمخشري : وفي تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله ، ولا يرى مثلُ نفار حمر الوحش ، واطرادها في العدوِ إذا خافت من شيء .


[58596]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/320-321) عن ابن عباس وأبي موسى وعكرمة وقتادة. وأخرجه الحاكم (2/508) عن أبي موسى. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/460) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره عن ابن عباس وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[58597]:ينظر ذيل ديوان لبيد بن ربيعة ص 226، والقرطبي 19/58، والبحر 8/362، والدر المصون 6/423.
[58598]:ينظر البحر 8/362، والدر المصون 6/423.
[58599]:يروى الشطر الثاني كما في الطبري: ... *** أحوالها في الحي مثل القسوره ينظر الطبري 19/107، والقرطبي 19/58، والدر المصون 6/423، وفتح القدير 5/333.
[58600]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/332) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/461) وعزاه إلى سفيان بن عيينة في "تفسيره" وعبد الرزاق وابن المنذر.
[58601]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/461) وعزاه إلى ابن المنذر.
[58602]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/461) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[58603]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/321) عن عكرمة.
[58604]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/58) عن ابن عباس.