ثم بين - سبحانه - أنه قد ترك من وراء هلاكهم ما يدعو غيرهم إلى الاعتبار بهم فقال : { وَتَرَكْنَا فِيهَآ } أى : فى قرية قوم لوط التى جعل الملائكة عاليها سافلها { آيَةً } أى : علامة تدل على ما أصابهم من هلاك ، قيل : هى تلك الأحجار التى أهلكوا بها .
وهذه الآية إنما هى { لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم } لأنهم هم الذين يعتبرون وينتفعون بها ، أما غيرهم من الذين استحوذ عليهم الشيطان ، فإن هذه الآيات لا تزيدهم إلا رجسا على رجسهم .
وقوله : { وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ } أي : جعلناها عبرة ، لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل ، وجعلنا {[27447]} محلتهم بحيرة منتنة خبيثة ، ففي ذلك عبرة للمؤمنين ، { لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ }
المعنى : { وتركنا } في القرية المذكورة ، وهي سدوم أثراً من العذاب باقياً مؤرخاً لا يفنى ذكره فهو : { آية } أي علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة . ويحتمل أن يكون . والمعنى : { وتركنا } في أمرها كما قال : { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين }{[10609]} [ يوسف : 7 ] وقال ابن جريج : ترك فيها حجراً منضوداً كثيراً جداً . و : { للذين يخافون العذاب } هم العارفون بالله تعالى .
معنى { وتركنا فيها آية } : أن القرية بقيت خراباً لم تعمر ، فكان ما فيها من آثار الخراب آية للذين يخافون عذاب الله ، قال تعالى في سورة الحجر ( 76 ) { وإنها لبسبيل مقيم } أو يعود الضمير إلى ما يؤخذ من مجموع قوله : { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } [ الذاريات : 32 ] على تأويل الكلام بالقصة ، أي تركنا في قصتهم .
والترك حقيقته : مفارقة شخص شيئاً حصل معه في مكان ففارق ذلك المكان وأبقى منه ما كان معه ، كقول عنترة :
ويطلق على التسبب في إيجاد حالة تطول ، كقول النابغة :
فلا تتركَنّي بالوعيد كأنني *** إلى الناس مطليُّ به القارُ أجرب
بتشبيه إبقاء تلك الحالة فيه بالشيء المتروك في مكان . ووجه الشبه عدم التغير .
والترك في الآية : كناية عن إبقاء الشيء في موضع دون مفارقة التارك ، أو هو مجاز مرسل في ذلك فيكون نظير ما في بيت النابغة .
و { الذين يخافون العذاب } هم المؤمنون بالبعث والجزاء من أهل الإِسلام وأهل الكتاب دون المشركين فإنهم لما لم ينتفعوا بدلالة مواقع الاستئصال على أسباب ذلك الاستئصال نُزلت دلالة آيتِه بالنسبة إليهم منزلةَ ما ليس بآية كما قال تعالى : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ ق : 45 ] .
والمعنى : أن الذين يخافون اتعظوا بآية قوم لوط فاجتنبوا مثلَ أسباب إهلاكهم ، وأن الذين أشركوا لا يتعظون فيوشك أن ينزل عليهم عذاب أليم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وتركنا فيها آية} يعني عبرة لمن بعدهم {للذين يخافون العذاب الأليم} يعني الوجيع...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَتَرَكْنا فِيها آيَةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيمَ "يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية، وقال جلّ ثناؤه: "وَتَرَكْنا فِيها آيَةً" والمعنى: وتركناها آية، لأنها التي ائتفكت بأهلها، فهي الآية، وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشيء عبرة وآية، ومعناها: هذا الشيء آية وعبرة، كما قال جلّ ثناؤه "لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإخْوَتِهِ آياتٌ للسّائِلِينَ" وهم كانوا الآيات وفعلهم، ويعني بالآية: العظة والعبرة، للذين يخافون عذاب الله الأليم في الآخرة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وتركنا فيها آية} أي تركنا في قريات لوط عليه السلام التي أهلكنا آية وعبرة لمن بعدهم، وهي ما ذكر في آية أخرى: {وإنكم لتمُرّون عليهم مصبحين} {وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: 137 و138] أي إنكم لتمرّون على أولئك الذين أهلكوا، وعُذّبوا، وبالليل والنهار؛ فتعلمون أنهم لمَ أُهلكوا؟ ولمَ عُذّبوا؟ بالتكذيب والعناد. والذين نجوا إنما نجوا بالتصديق والإسلام؛ وذلك آية لمن بعدهم.
وقوله تعالى: {للذين يخافون العذاب الأليم} أي يكون ذلك آية للذين يخافون العذاب الأليم، وهم المؤمنون أي هم المنتفعون بها...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"للذين يخافون العذاب الاليم " إنما خص الخائفين من العذاب الأليم بالآية لأنهم الذين يعتبرون بها وينتفعون بها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وتركنا} في القرية المذكورة، وهي سدوم أثراً من العذاب باقياً مؤرخاً لا يفنى ذكره فهو: {آية} أي علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
معنى {وتركنا فيها آية}: أن القرية بقيت خراباً لم تعمر، فكان ما فيها من آثار الخراب آية للذين يخافون عذاب الله...
أي تركنا في قصتهم. والترك حقيقته: مفارقة شخص شيئاً حصل معه في مكان ففارق ذلك المكان وأبقى منه ما كان معه... ويطلق على التسبب في إيجاد حالة تطول...
والترك في الآية: كناية عن إبقاء الشيء في موضع دون مفارقة التارك...
. و {الذين يخافون العذاب} هم المؤمنون بالبعث والجزاء من أهل الإِسلام وأهل الكتاب دون المشركين فإنهم لما لم ينتفعوا بدلالة مواقع الاستئصال على أسباب ذلك الاستئصال نُزلت دلالة آيتِه بالنسبة إليهم منزلةَ ما ليس بآية كما قال تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق: 45].
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.