مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (37)

قوله تعالى : { وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم } .

وفي الآية خلاف ، قيل : هو ماء أسود منتن انشقت أرضهم وخرج منها ذلك ، وقيل : حجارة مرمية في ديارهم وهي بين الشام والحجاز ، وقوله : { للذين يخافون العذاب الأليم } أي المنتفع بها هو الخائف ، كما قال تعالى : { لقوم يعقلون } في سورة العنكبوت ، وبينهما في اللفظ فرق قال هاهنا : { ءاية } وقال هناك : { آية بينة } وقال هناك : { لقوم يعقلون } وقال هاهنا : { للذين يخافون } فهل في المعنى فرق ؟ نقول هناك مذكور بأبلغ وجه يدل عليه قوله تعالى : { آية بينة } حيث وصفها بالظهور ، وكذلك منها وفيها فإن من للتبعيض ، فكأنه تعالى قال : من نفسها لكم آية باقية ، وكذلك قال : { لقوم يعقلون } فإن العاقل أعم من الخائف ، فكانت الآية هناك أظهر ، وسببه ما ذكرنا أن القصد هناك تخويف القوم ، وهاهنا تسلية القلب ألا ترى إلى قوله تعالى : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وقال هناك : { إنا منجوك وأهلك } من غير بيان واف بنجاة المسلمين والمؤمنين بأسرهم .