ثم ساق - سبحانه - ما يبعث التسلية والتعزية في قلب النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } .
أى : لقد جئت - أيها الرسول - للناس بدين الفطرة ، الذي ترتاح له النفوس وتتقبله القلوب بسرور وانشراح . ولكن أكثر الناس قد استحوذ عليهم الشيطان ، فمسخ نفوسهم وقلوبهم ، ، فصاروا مع حرصك على إيمانهم ، ومع حرصك على دعوتهم إلى الحق على بصيرة ، لا يؤمنون بك ، ولا يستجيبون لدعوتك ، لاستيلاء المطامع والشهوات والأحقاد على نفوسهم .
وفى التعبير بقوله - سبحانه - { وَمَآ أَكْثَرُ الناس . . . } إشعار بأن هناك قلة من الناس قد استجابت بدون تردد لدعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - ، فدخلت في الدين الحق ، عن طواعيه واختيار .
وقوله { وَلَوْ حَرَصْتَ } جملة معترضة لبيان أنه مهما بالغ النبى - صلى الله عليه وسلم - في كشف الحق ، فإنهم سادرون ، في ضلالهم وكفرهم ، إذ الحرص طلب الشئ باجتهاد .
قال الآلوسى ما ملخصه : " سألت قريش واليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قصة يوسف ، فنزلت مشروحة شرحاً وافياً ، فأمل النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يكون ذلك سبباً في إسلامهم ، فلما لم يفعلوا حزن - صلى الله عليه وسلم - فعزاه الله - تعالى - بذلك " .
يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، لما قص عليه نبأ إخوة يوسف ، وكيف رفعه الله عليهم ، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم ، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام : هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة ، { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } ونعلمك به لما فيه من العبرة لك والاتعاظ لمن خالفك ، { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ } حاضرا عندهم ولا مشاهدا لهم { إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ } أي : على إلقائه في الجب ، { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } به ، ولكنا أعلمناك به وحيا إليك ، وإنزالا عليك ، كما قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ]وقال تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ]إلى أن قال : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } [ القصص : 46 ] وقال { وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [ القصص : 45 ] وقال { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِين } [ ص : 69 ، 70 ]
يقرر تعالى أنه رسوله ، وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم ؛ ومع هذا ما آمن أكثر الناس ؛ ولهذا قال : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
وقال { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ( 103 ) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 104 ) }
هاتان الآيتان{[6848]} تدلان أن الآية التي قبلهما فيها تعريض لقريش ومعاصري محمد عليه السلام ، كأنه قال : فإخبارك بالغيوب دليل قائم على نبوتك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وإن كنت أنت حريصاً على إيمانهم ، أي يؤمن من شاء الله . وقوله : { ولو حرصت } اعتراض فصيح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.