فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ} (103)

وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك ، انتفى علمه بذلك مشاهدة ، ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ، ولا خالطهم ولا خالطوه ، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير ، فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلاّ مجردّ الوحي من الله سبحانه ، فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به ، فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار قال الله سبحانه ذاكراً لهذا { وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } أي : وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد ، أو ما أكثر الناس على العموم ، ولو حرصت على هدايتهم وبالغت في ذلك بمؤمنين بالله لتصميمهم على الكفر الذي هو دين آبائهم ، يقال : حرص يحرص مثل ضرب يضرب ، وفي لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد ، والحرص : طلب الشيء باجتهاد . قال الزجاج : ومعناه : وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم ؛ لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . قال ابن الأنباري : إن قريشاً واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحهما شرحاً شافياً ، وهو يأمل أن يكون ذلك سبباً لإسلامهم ، فخالفوا ظنه ، وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فعزاه الله بقوله : { وَمَا أَكْثَرُ الناس } الآية .

/خ108