قوله تعالى : { ذلكم } الذي ذكرت من القتل ، والرمي ، والبلاء الحسن .
قوله تعالى : { وأن الله } ، قيل : فيه إضمار ، أي : { واعلموا } أن الله .
قوله تعالى : { موهن } ، مضعف .
قوله تعالى : { كيد الكافرين } . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأهل البصرة : ( موهن ) بالتشديد والتنوين ، ( كيد ) نصب ، وقرأ الآخرون بالتخفيف والتنوين إلا حفصاً ، فإنه يضيفه فلا ينون ، ويخفض كيد .
ثم يقرر - سبحانه سنة من سننه التي لا تتخلف ، وهى تقوية الحق وتوهين الباطل . وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وثباتا على ثباتهم فيقول : { ذلكم وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين } .
قال الإِمام الرازى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { موهن } - بفتح الواو وتشديد الهاء والتنوين . من التوهين . تقول وهنت الشئ أي ضعفته - ، { كيد } بالنصب على المفعولية . وقرأ حفص عن عاصم { موهن كيد } بالإضافة . وقرأ الباقون { موهن } بالتخفيف ، - من أوهننه فأنا موهنه بمعنى أضعفته - { وكيد } بالنصب وتوهين الله كيدهم ومكرهم يكون بأشياء منها : إطلاع المؤمين على عوراتهم ، وإلقاء الرعب في قلوبهم ، وتفريق كلمتهم .
واسم الإِشارة { ذلكم } يود إلى ما سبق من نعمة الإِبلاء والقتل والرمى وغير ذلك من النعم . وهو مبتدأ وخبره محذوف . وقوله : { وَأَنَّ الله مُوهِنُ } معطوف عليه .
المعنى : ذلكم الذي منحته إياكم من العطاء الحسن ، والقتل للمشركين ، والإِمداد بالملائكة ، وإنزال الماء عليكم . ذلكم كله نعم منى إليكم ، ويضاف إلى ذلك كله أنه - سبحانه - مضعف لكيد الكافرين ومفسد لمكرهم بكم .
قال ابن كثير : وهذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر ، فإنه أعلمهم بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل ، مصغر أمرهم ، وأنهم في تبار ودمار
وقوله { ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ } هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر : أنه أعلمهم تعالى بأنه مُضْعِفُ كيد الكافرين فيما يستقبل ، مُصَغِّرًا أمرهم ، وأنهم كل ما لهم في تبار{[12781]} ودمار ، ولله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمْ وَأَنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : ذَلِكُمْ : هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا ، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم وإمكانهم من قتلهم وأسرهم ، فعلنا الذي فعلنا . وأنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ يقول : واعلموا أن الله مع ذلك مضعف كيد الكافرين ، يعني مكرهم ، حتى يذلوا ، وينقادوا للحقّ ويهلكوا . وفي فتح «أن » من الوجوه ما في قوله : ذَلِكُمْ فَذُوقوهُ وأنّ للْكافِرِينَ وقد بيّنته هنالك .
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله : مُوهِنُ . فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة وبعض المكيين والبصريين : «مُوَهّنٌ » بالتشديد ، من وهّنت الشيء : ضعّفته . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : مُوهِنُ من أوهنته فأنا موهنه ، بمعنى أضعفته . والتشديد في ذلك أعجب إليّ لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، عقدا بعد عقد ، وشيئا بعد شيء ، وإن كان الاَخر وجها صحيحا .
الإشارة ب { ذلكم } إلى البلاء الحسن وهذه الإشارة لمجرد تأكيد المقصود من البلاء الحسن وأن ذلك البلاء علة للتوهين .
واسم الإشارة يفتتح به الكلام لمقاصد يجمعها التنبيه على أهمية ما يرد بعده كقوله تعالى : { هذا وإن للطاغين لشر مئابٍ } [ ص : 55 ] ويجيء في الكلام الوارد تعليلاً كقوله تعالى : { ذلك بما قدمت أيديكم } [ الأنفال : 51 ] .
وعليه فاسم الإشارة هنا مبتدأ حذف خبره وعطف عليه جملة : { وأن الله موهن كيد الكافرين } .
وقوله : { وأن الله } بفتح همزة ( أن ) ، فما بعدها في تأويل مصدر ، مجرور بلام التعليل محذوفة ، والتقدير ولتوهين كيد الكافرين .
ويجوز أن تكون الإشارة ب { ذلكم } إلى الأمرين ، وهو ما اقتضاه قوله : { وما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ] من تعليل الرمي بخذل المشركين وهزمهم وإبلاء المؤمنين البلاء الحسن .
وإفراد اسم الإشارة مع كون المشار إليه اثنين على تأويل المشار إليه بالمذكور كما تقدم في نظيره في سورة البقرة .
و { كيد الكافرين } هو قصدهم الإضرار بالمسلمين في صورة ليست ظاهرها بمضرة ، وذلك أن جيش المشركين الذين جاءوا لإنقاذ العِير لمّا علموا بنجاة عيرهم ، وظنوا خيبة المسلمين الذين خرجوا في طلبها ، أبوا أن يرجعوا إلى مكة ، وأقاموا على بدر لينحروا ويشربوا الخمر ويضربوا الدفوف فرحاً وافتخاراً بنجاة عيرهم ، وليس ذلك لمجرد اللهو ، ولكن ليتسامع العرب فيتساءلوا عن سبب ذلك فيخبروا بأنهم غلبوا المسلمين فيصرفهم ذلك عن إتباع الإسلام ، فأراد الله توهينهم بهزمهم تلك الهزيمة الشنعاء فهو موهن كيدهم في الحال وتقدم تفسير ، الكيد عند قوله تعالى : { وأملي لهم إن كيدي متينٌ } في سورة [ الأعراف : 183 ] .
وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، { مُوَهِّنٌ } بفتح الواو وبتشديد الهاء وبالتنوين ونصب { كيدَ } ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ، ويعقوب ، { مُوهِنٌ } بتسكين الواو وتخفيف الهاء ونصب { كيد } والمعنى على القراءتين سواء ، وقرأ حفص عن عاصم بإضافة { مُوهِنٌ } إلى { كيد } ، والمعنى وهي إضافة لفظية مساوية للتنكير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.