قوله - سبحانه - : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } معطوف على قوله { أَن ياموسى } فكلاها مفسر للنداء ، والفاء فى قوله { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } فصيحة .
والمعنى : نودى أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين ، ونودى أن ألق عصاك ، فألقاها . { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أى تضطرب بسرعة { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } أى : كأنها فى سرعة حركتها وشدة اضطرابها { جَآنٌّ } أى : ثعبان يدب بسرعة ويمرق فى خفة ولى مدبرا ولم يعقب . أى : ولى هاربا خوفا منها ، دون أن يفكر فى العودة إليها . ليتبين ماذا بها ، وليتأمل ما حدث لها .
يقال : عقب المقاتل إذا كر راجعا إلى خصمه ، بعد أن فر من أمامه .
وهنا جاءه النداء مرة أخرى ، فى قوله - تعالى - : { ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين } .
أى : يا موسى أقبل نحو المكان الذى كنت فيه ، ولا تخف مما رأيته ، إنك من عبادنا الآمنين عندنا ، المختارين لحمل رسالتنا .
وقوله : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي : التي في يدك . كما قرره على ذلك في قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [ طه : 17 ، 18 ] . والمعنى : أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء : كن ، فيكون . كما تقدم بيان ذلك في سورة " طه " .
وقال هاهنا : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أي : تضطرب { كَأَنَّهَا جَانٌّ } أي : في حركتها السريعة مع عظم خَلْق قوائمها{[22309]} واتساع فمها ، واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، فتنحدر في فيها تتقعقع ، كأنها حادرة في واد . فعند ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : ولم يكن يلتفت ؛ لأن طبع البشرية ينفر من ذلك . فلما قال الله له : { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ } ، رجع فوقف في مقامه الأول .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمّا رَآهَا تَهْتَزّ كَأَنّهَا جَآنّ وَلّىَ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ يَمُوسَىَ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنّكَ مِنَ الآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رّبّكَ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : نُودي موسى : أن يا موسى إنّي أنا اللّهُ ربّ العَالَمِين . وأنْ ألْقِ عَصَاكَ فألقاها موسى ، فصارت حية تسعى فَلَمّا رآها موسى تَهْتَزّ يقول : تتحرّك وتضطرب كأنّها جانّ والجانّ : واحد الجِنّان ، وهي نوع معروف من أنواع الحيات ، وهي منها عظام . ومعنى الكلام : كأنها جانّ من الحيات وَلّى مُدْبِرا يقول : ولى موسى هاربا منها . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلّى مُدْبِرا فارا منهَا ، ولَمْ يُعَقّبْ يقول : ولم يرجع على عقبه .
وقد ذكرنا الرواية في ذلك ، وما قاله أهل التأويل فيما مضى ، فكرهنا إعادته ، غير أنا نذكر في ذلك بعض ما لم نذكره هنالك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ولَمْ يُعَقّبْ يقول : ولم يعقب ، أي لم يلتفت من الفرق .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ولَم يُعَقّبْ يقول : لم ينتظر .
وقوله : يا مُوسَى أقْبِلْ وَلا تَخَفْ يقول تعالى ذكره : فنودي موسى : يا موسى أقبل إليّ ولا تخف من الذي تهرب منه إنّكَ مِنَ الآمنِينَ من أن يضرّك ، إنما هو عصاك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.