ثم حذرهم الله من الكفر والطغيان ، فقال - تعالى - : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ القوم المجرمين } أى : فإن كذبوك - يا محمد - هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين ، فيما أخبرناك عنه من أنا حرمنا على هؤلاء اليهود بعض الطيبات عقوبة لهم ، فقل لهم . إن الله - تعالى - ذو رحمة واسعة حقاً ورحمته وسعت كل شىء ، ومن مظاهر رحمته أنه لا يعاجل من كفر به بالعقوبة ، ولا من عصاه بالنقمة ، ولكن ذلك لا يقتضى أن يرد بأسه ، أو يمنع عقابه عن القوم المصرين على إجرامهم المستمرين على اقتراف المنكرات ، وارتكاب السيئات .
فالآية الكريمة قد جاءت لتزجرهم عن البغى والكفران ، حتى يعودوا إلى طريق الحق . إن كانوا ممن ينتفع بالذكرى ، ويعتبر بالموعظة .
( فإن كذبوك فقل : ربكم ذو رحمة واسعة ، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ) . .
فقل ربكم ذو رحمة واسعة بنا ، وبمن كان مؤمنا من عباده ، وبغيرهم من خلقه . فرحمته - سبحانه - تسع المحسن والمسيء ؛ وهو لا يعجل على من استحق العقاب ؛ حلما منه ورحمة . فإن بعضهم قد يثوب إلى الله . . ولكن بأسه شديد لا يرده عن المجرمين إلا حلمه ، وما قدره من إمهالهم إلى أجل مرسوم .
وهذا القول فيه من الإطماع في الرحمة بقدر ما فيه من الإرهاب بالبأس . والله الذي خلق قلوب البشر ؛ يخاطبها بهذا وذاك ؛ لعلها تهتز وتتلقى وتستجيب .
تفريع على الكلام السّابق الذي أبطل تحريم ما حرّموه ، ابتداء من قوله : { ثمانية أزواج } [ الأنعام : 143 ] الآيات أي : فإن لم يرعَوُوا بعد هذا البيان وكذّبوك في نفي تحريم الله ما زعموا أنَّه حرّمه فذكِّرهم ببأس الله لعلّهم ينتهون عمّا زعموه ، وذكِّرهم برحمته الواسعة لعلّهم يبادرون بطلب ما يخوّلهم رحمته من اتّباع هَدي الإسلام ، فيعود ضمير : { كذبوك } إلى المشركين وهو المتبادر من سياق الكلام : سابِقِه ولاحقه ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون في قوله : { فقل ربكم ذو رحمة واسعة } تنبيه لهم بأنّ تأخير العذاب عنهم هو إمهال داخل في رحمة الله رحمة مؤقّته ، لعلّهم يسلمون . وعليه يكون معنى فعل : { كذبوك } الاستمرار ، أي إن استمرّوا على التّكذيب بعد هذه الحجج .
ويجوز أن يعود الضّمير إلى { الذين هادوا } [ الأنعام : 146 ] ، تكملة للاستطراد وهو قول مجاهد والسُدّي : أنّ اليهود قالوا لم يُحرّم الله علينا شيئاً وإنَّما حرّمنا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، فيكون معنى الآية : فَرْض تكذيبهم قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا } [ الأنعام : 146 ] إلخ ، لأنّ أقوالهم تخالف ذلك فهم بحيث يكذّبون ما في هذه الآية ، ويشتبه عليهم الإمهال بالرّضى ، فقيل لهم : { ربكم ذو رحمة واسعة } . ومن رحمته إمهاله المجرمين في الدّنيا غالباً .
وقوله : { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } فيه إيجاز بحذف تقديره : وذو بأس ولا يُردّ بأسه عن القوم المجرمين إذا أراده . وهذا وعيد وتوقّع وهو تذييل ، لأنّ قوله : { عن القوم المجرمين } يعمّهم وغيرهم وهو يتضمّن أنهم مجرمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.