البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَةٖ وَٰسِعَةٖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُهُۥ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (147)

{ فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } الظاهر عود الضمير على أقرب مذكور وهم اليهود وقاله مجاهد والسدّي أي { فإن كذبوك } فيما أخبرت به أنه تعالى حرمه عليهم وقالوا : لم يحرمه الله وإنما حرمه إسرائيل قبل متعجباً من قولهم : ومعظماً لافترائهم مع علمهم بما قلت : { فقل ربكم ذو رحمة واسعة } حيث لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدّة هذا الجرم كما تقول عند رؤية معصية عظيمة .

ما أحلم الله وأنت تريد لإمهاله العاصي .

وقيل : الضمير للمشركين الذين كان الكلام معهم في قوله : { نبئوني } وقوله : { أم كنتم شهداء } أي { فإن كذبوك } في النبوة والرسالة وتبليغ أحكام الله .

وقال الزمخشري : { فإن كذبوك } في ذلك وزعموا أن الله واسع المغفرة وأنه لا يؤاخذنا بالبغي ويخلف الوعيد جوداً وكرماً { فقل لهم ربكم ذو رحمة واسعة } لأهل طاعته { ولا يردّ بأسه } مع سعة رحمته { عن القوم المجرمين } فلا تغترّ برجاء رحمته عن خوف نقمته ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال و { القوم المجرمين } عام يندرج فيه مكذبو الرسل وغيرهم من المجرمين ، ويحتمل أن يكون من وقوع الظاهرموقع المضمر أي { ولا يرد بأسه } عنكم وجاء معمول { قل } الأول جملة اسمية لأنها أبلغ في الإخبار من الجملة الفعلية ، فناسبت الأبلغية في الله تعالى بالرحمة الواسعة وجاءت الجملة الثانية فعلية ولم تأت اسمية فيكون التركيب وذو بأس لئلا يتعادل الإخبار عن الوصفين وباب الرحمة واسع فلا تعادل .

وقال الماتريدي : { فإن كذبوك } فيما تدعوهم إليه من التصديق والتوحيد { فقل ربكم ذو رحمة واسعة } إذا رجعتم عن التكذيب ؛ انتهى .

وقيل : { ذو رحمة } لا يهلك أحداً وقت المعصية ولكن يؤخر { ولا يرد بأسه } إذا نزل .