معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠} (15)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠} (15)

وبعد أن وصف - سبحانه - جانبا من طعامهم ولباسهم ومسكنهم أخذت السورة الكريمة فى وصف شرابهم . فقال - تعالى - : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ . قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }

وقوله : { وَيُطَافُ } من الطواف ، وهو السعى المكرر حول الشئ ، ومنه الطواف بالكعبة . والآونية : جمع إناء ، وهو اسم لكل وعاء يوضع فيه الطعام والشراب والمراد بها هنا : الأوانى : التى يستعملونها فى مجالس شرابهم .

والأكواب : جمع كوب ، وهو القدح الذى لا عروة له ، وعطفه على الآنية من باب عطف الخاص على العام .

والقوارير : جمع قارورة وهى فى الأصل إناء رقيق من الزجاج النقى الشفاف ، توضع فيه الأشربة وما يشبهها ، فتستقر فيه .

أى : ويطاف على هؤلاء الأبرار بآنية كائنة من فضة ، وبأكواب وأقداح من فضة - أيضاً - وجعلت هذه الأكواب فى مثل القوارير فى صفائها ونقائها ، وفى مثل الفضة فى جمالها وحسنها ، بحيث يرى ما بداخلها من خارجها .

وقوله - سبحانه - { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أى : إن الطائفين بهذه الأكواب عليهم ، قد وضعوا فيها من الشراب على مقدار ما يشبع هؤلاء الأبرار ويرويهم بدون زيادة أو نقصان والطائفون عليهم بذلك هم الخدم الذين جعلهم الله - تعالى - لخدمة هؤلاء الأبرار . وبنى الفعل للمجهول للعلم بهم .

وقال - سبحانه - هنا { بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } وفى سورة الزخرف { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ . . . } زيادة فى تكريمهم وفى سمو منزلتهم ، إذ تارة يطاف عليهم بأكواب من فضة ، وتارة يطاف عليهم بصحاف من ذهب ، ومن المعروف أنه كلما تعددت المناظر الحسنة ، والمشارب اللذيذة ، كان ذلك أبهج للنفس .

والمراد بالكينونة فى قوله - تعالى - { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ . . . } أنها تكونت ووجدت على هذه الصفة .

قال الآلوسى : قوله - تعالى - { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } أى : كانت تلك الأكواب قوارير ، جمع قارورة ، وهى إناء رقيق من الزجاج توضع فيه الأشربة ، ونصبه على الحال ، فإن " كان " تامة ، وهو كما تقول : خلقت قوارير . وقوله - تعالى - : { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } بدل .

والكلام على التشبيه البليغ .

والمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ، ولون الفضة وبياضها .

وقرأ نافع والكسائى وأبو بكر بتنوين { قَوَارِيرَاْ } فى الموضعين وصلا ، وإبداله ألفا وقفا . وابن كثير يمنع صرف الثانى ويصرف الأول . . والقراءة بمنع صرفهما للباقين .

وقال الشوكانى : وجملة " قدرها تقديرا " صفة لقوارير . . أى : قدرها السقاة من الخدم ، الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة ، من دون زيادة ولا نقصان . . ، وقيل : قدرها الملائكة . وقيل : قدرها الشاربون لها من أهل الجنة على مقدار حاجتهم ، فجاءت كما يريدون فى الشكل لا تزيد ولا تنقص . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠} (15)

ويطاف عليهم بآنية من فضة ، وأكواب كانت قوارير ، قوارير من فضة قدروها تقديرا . ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا . عينا فيها تسمى سلسبيلا . .

فهم في متاعهم . متكئين على الأرائك بين الظلال الوارفة والقطوف الدانية والجو الرائق . . يطاف عليهم بأشربة في آنية من فضة ، وفي أكواب من فضة كذلك ، ولكنها شفة كالقوارير ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠} (15)

عطف على جملة { يَشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] الخ كما اقتضاه التناسب بين جملة { يشربون } وجملة { يطاف عليهم } في الفعلية والمضارعية ، وذلك من أحسن أحوال الوصل ، عاد الكلام إلى صفة مجالس شرابهم .

وهذه الجملة بيان لما أجمل في جملة { إن الأبرار يشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] ، وإنما عطفت عليها لما فيها من مغايرة مع الجملة المعطوف عليها من صفة آنية الشراب ، فلهذه المناسبة أعقب ذكر مجالس أهل الجنة ومُتكآتِهم ، بذكر ما يستتبعه مما تعارفه أهل الدنيا من أحوال أهل البذخ والترف واللذات بشرب الخمر إذ يُدير عليهم آنية الخمر سقاةٌ . وإذ قد كان ذلك معروفاً لم تكن حاجة إلى ذكر فاعل الطواف فبُني للنائب .

وهذا وعد لهم بإعطاء متمناهم في الدنيا مع مَزيد عليه من نعيم الجنة « ما لا عيْن رأت ولا خَطَر على قلب بَشَر » .

والطواف : مشي مكرر حولَ شيءٍ أو بين أشياء ، فلما كان أهل المتكأ جماعة كان دوران السقاء بهم طوافاً . وقد سمَّوا سقي الخمر : إدَارةَ الخمرِ ، أو إدارة الكأس . والسَّاقي : مدير الكأس ، أو مدير الجام أو نحو ذلك .

والآنية : جمع إِناء ممدوداً بوزن أفْعِلة مثل كساء وأكسية ووِعاء وأوعية اجتمع في أول الجمع همزتان مزيدة وأصلية فخففت ثانيتهمَا ألفاً .

والإِناء : اسم لكل وعاء يرتفق له ، وقال الراغب : ما يوضع فيه الشيء اه فيظهر أنه يطلق على كل وعاء يقصد للاستعمال والمداولة للأطعمة والأشربة ونحوهما سواء كان من خشب أو معدن أو فَخار أو أديم أو زجاج ، يوضع فيه ما يُشرب أو ما يؤكل ، أو يُطبخ فيه ، والظاهر أنه لا يطلق على ما يجعل للخزن فليست القِربة بإناء ولا الباطيةُ بإناء ، والكأسُ إناء والكوزُ إناء والإِبريق إناء والصحفة إناء .

والمراد هنا : آنية مجالس شرابهم كما يدل عليه ذكر الأكواب وذلك في عموم الآنية وما يوضع معه من نُقْل أو شِواء أو نحو ذلك كما قال تعالى في آية الزخرف ( 71 ) { يطاف عليهم بصِحاف من ذهب وأكواب } .

وتشمل الآنية الكؤوسَ . وذكر { الآنِية } بعد { كأس } [ الإنسان : 5 ] من قوله : { إن الأبرار يشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] من ذكر العام بعد الخاص إلاّ إذا أريد بالكأس الخمر .

والأكواب : جمع كوب بضم الكاف بعده واو ساكنة . والكوب : كوز لا عروة له ولا خرطوم له ، وتقدم في سورة الزخرف .

وعطف { أكواب } على ( آنية ) من عطف الخاص على العام لأن الأكواب تحمل فيها الخمر لإِعادة ملءِ الكؤوس . ووصفت هنا بأنها من فضة ، أي تأتيهم آنيتهم من فضة في بعض الأوقات ومن ذهب في أوقات أخرى كما دلّ عليه قوله في سورة الزخرف ( 71 ) { يطاف عليهم بصحاف من ذَهب وأكواب } لأن للذهب حسناً وللفضة حسناً فجعلت آنيتهم من المعدنين النفيسين لئلا يفوتهم ما في كل من الحسن والجمال ، أو يطاف عليهم بآنية من فضة وآنية من ذهب متنوعة متزاوجة لأن ذلك أبهج منظراً مثل ما قال مرة

{ وحلّوا أساور من فضة } [ الإنسان : 21 ] ، ومرة { يُحَلّون فيها من أساور من ذهب } [ الكهف : 31 ] ، وذلك لإِدخال المسرَّة على أنفسهم بحسن المناظر فإنهم كانوا يتمنونها في الدنيا لِعزة وجودها أو وجود الكثير منها ، وأوثر ذكر آنية الفضة هنا لمناسبة تشبيهها بالقوارير في البياض .

والقوارير : جمع قارورة ، وأصل القارورة إناء شبه كوز ، قيل : لا تسمى قارورة إلاّ إذا كانت من زجاج ، وقيل مطلقاً وهو الذي ابتدأ به صاحب « القاموس » .

وسميت قارورة اشتقاقاً من القَرار وهو المكث في المكان وهذا وزن غريب .

والغالب أن اسم القارورة للإِناء من الزجاج ، وقد يطلق على ما كان من زجاج وإن لم يكن إناء كما في قوله تعالى : { قَال إنه صرح ممرّد من قوارير } [ النمل : 44 ] وقد فسر قوله : { قواريراً } في هذه الآية بأنها شبيهة بالقوارير في صفاء اللون والرقة حتى كأنها تشفّ عما فيها .

والتنافس في رقة آنية الخمر معروف عند شاربيها قال الأعشى :

تريك القذى من دونها وهي دونه *** إذا ذاقها من ذاقها يتمطق

وفعل { كانت } هنا تشبيه بليغ ، والمعنى : إنها مثل القوارير في شفيفها ، وقرينة ذلك قوله : { من فضة } ، أي هي من جنس الفضة في لون القوارير لأن قوله { من فضة } حقيقة فإنه قال قبله { بآنية من فضة } .