معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (112)

قوله تعالى : { سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين } فمن جعل الذبيح إسحاق قال : بشر إبراهيم بنبوة إسحاق : رواه عكرمة عن ابن عباس . قال : بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (112)

ثم بين - سبحانه - مظهرا آخر من مظاهر فضله على نبيه إبراهيم فقال : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }

أى : ومن مظاهر تكريمنا لإبراهيم ، أننا بشرناه بولد آخر هو إسحاق ، الذى جعلناه نبيا من أنبيائنا الصالحين لحمل رسالتنا ، وأفضنا على إبراهيم وعلى إسحاق الكثير من بركاتنا الدينية والدنيوية ، بأن جعلنا عدداً كبيراً من الأنبياء من نسلهما .

ومع ذلك فقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من ذريتهما من هو محسن فى قوله وعمله ، ومن هو ظالم لنفسه بالكفر والمعاصى ظلما واضحا بينا ، وسنجازى كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب .

هذا ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :

1 - أن الرسل جميعا قد جاءوا من عند الله - تعالى - بدين واحد فى أصوله ، وأن كل واحد منهم قد سار على نهج سابقه فى الدعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، وقد بين - سبحانه - فى مطلق هذه القصة ، أن إبراهيم كان من شيعة نوح - عليه السلام - أى : من أتباعه الذين ساروا على سنته فى دعوة الناس إلى عبادة الله وحده .

وقد أمر - عز وجل - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بإخوانه السابقين من الأنبياء ، فقال : { أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده } 2 - أن تعاطى الحيل الشرعية من أجل إزالة المنكر ، أمر مشروع ، فإن إبراهيم - عليه السلام - لكى يقضى على الأصنام ، اعتذر لقومه عن الخروج معهم فى يوم عيدهم ، وقال لهم : إنى سقيم - بعد أن نظر فى النجوم .

وكان مقصده من وراء ذلك ، أن يختلى بالأصنام ليحطمها ، ويثبت لقومه أنها لا تصلح للألوهية .

3 - أن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أن يراعى - بفضله وكرمه - عباده المخلصين ، وأن ينصرهم على أعدائهم ، الذين يبيتون لهم الشرور والسوء .

ونرى ذلك جليا فى هذه القصة ، فقد أضمر الكافرون لإِبراهيم الكيد والإِهلاك . فأنجاه الله - تعالى - من مكرهم ، كما قال - تعالى - : { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين } .

4 - أن على المؤمن إذا لم يتمكن من نشر دعوة الحق فى مكان معين أن ينتقل منه إلى مكان آخر متى كان قادرا على ذلك .

وهذا ما فعله إبراهيم - عليه السلام - فقد قال لقومه بعد أن يئس من صلاحهم ، وبعد أن نجاه الله من كيدهم : { إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ } .

5 - أن الدعاء متى صدر من نفس عامرة بالإِيمان والتقوى ، ومن قلب سليم من الهوى . . كان جديراً بالإِجابة .

فلقد تضرع إبراهيم إلى ربه أن يرزقه الذرية الصالحة ، فأجاب الله دعاءه .

كما حكى - سبحانه - ذلك فى قوله : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ }

ثم قال - سبحانه - بعد ذلك : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين } .

6 - أن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - قد ضربا أروع الأمثال فى صدق الإِيمان ، وفى الاستسلام لأمر الله - تعالى - وفى الرضاء بقضائه .

فكافأهما - عز وجل - على ذلك مكافأة جزيلة ، بأن جعل الذكر الحسن باقيا لإِبراهيم إلى يوم القيامة ، وبأن افتدى الذبيح بذبح عظيم .

قال - تعالى - : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين . سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين } .

7 - أن الذبيح الذى ورد ذكره فى هذه القصة ، والذى افتداه الله - تعالى - بذبح عظيم ، هو إسماعيل - عليه السلام - وعلى ذلك سار جمهورالعلماء ، وم أدلتهم على ما ذهبوا إليه ما يأتى :

( أ ) أن سياق القصة يدل دلالة واضحة على أن الذبيح إسماعيل ، لأن الله - تعالى - حكى عن إبراهيم أنه تضرع إليه - تعالى -بقوله : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين } فبشره - سبحانه - { بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } ، وهذا الغلام عندما بلغ السن التى يمكنه معها مساعدة أبيه فى أعماله .

قال له أبوه : { يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى } ثم افتدى الله - تعالى - هذا الغلام بذبح عظيم .

ثم قال - تعالى - بعد كل ذلك : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين } .

وهذا يدل على أن المبشر به الأول وهو إسماعيل ، غير المبشر به الثانى وهو إسحاق .

( ب ) أن البشارة بمولد إسحاق - عليه السلام - قد جاء الحديث عنها مفصلا فى سورة هود . وظروف هذه البشارة وملابساتها ، تختلف عن الظروف والملابسات التى وردت هنا فى سورة الصافات ، وقد أشار إلى ذلك الإِمام السيوطى فقال :

وتأملت القرآن فوجدت فيه ما يقتضى القطع - أو ما يقرب منه - على أن الذبيح إسماعيل ، وذلك لأن البشارة وقعت مرتين :

مرة فى قوله - تعالى - { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي قَالَ يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ . . } .

فهذه الآية قاطعة فى أن المبشر به هو الذبيح .

ومرة فى قوله - فى سورة هود - { وامرأته قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } فقد صرح فيها بأن المبشر به إٍسحاق ، ولم يكن بسؤال من إبراهيم ، بل قالت امرأته إنها عجوز ، وأنه شيخ ، وكان ذلك فى بلاد الشام ، لما جاءت الملائكة إليه ، بسبب قوم لوط ، وكان إبراهيم فى آخره عمره .

أما البشارة الأولى فكانت حين انتقل من العراق إلى الشام ، وحين كان سنه لا يستغرب فيه الولد ، ولذلك سأله ، فعلمنا بذلك أنهما بشارتان فى وقتين بغلامين ، أحدهما بغير سؤال وهو إسحاق ، والثانية قبل ذلك بسؤال وهو غيره ، فقطعنا بأنه إسماعيل وهو الذبيح .

ج - أن القول بأن الذبيح إسماعيل قد ورد - كما قال الإِمام ابن القيم - عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها .

ثم قال الإِمام ابن القيم : وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب ، مع أنه باطل بنص كتابهم فإن فيه : إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه " بكره " وفى لفظ " وحيده " ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاد إبراهيم .

ومن العلماء الذين فصلوا القول فى هذه المسألة ، الإِمام ابن كثير ، فقد قال رحمه الله : " وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكى ذلك عن طائفة من السلف ، حتى نقل عن بعض الصحابة - أيضاً - وليس ذلك فى كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تُلُقَّى إلا عن أحبار أهل الكتاب ، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين } .

ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } وقال - تعالى - : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } أى : يولد له فى حياتهما ولد يسمى يعقوب ، فيكون من ذريته عقب ونسل .

وقد قدمنا أنه لا يجوز بعد ذلك أن يؤمر بذبحه وهو صغير ، لأن الله قد وعدهما بأنه سيعقب ، ويكون له نسل ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً ، وإسماعيل وصف هنا بالحلم ، لأنه مناسب لهذا المقام .

قال الآلوسى - رحمه الله - بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك بالتفصيل : " والذى أميل إليه أنه - أى الذبيح - إسماعيل - عليه السلام - ، بناء على أن ظاهر الآية يقتضيه ، وأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ، ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك ، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب " .

هذه بعض الأحكام والآداب التى يمكن أن نأخذها من هذه القصة ، التى حكاها - سبحانه - عن نبيه إبراهيم - عليه السلام - فى هذه السورة الكريمة ، وهناك أحكام وآداب أخرى يستطيع أن يستخلصها المتدبر فى هذه الآيات الكريمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (112)

69

ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (112)

{ إنه من عبادنا المؤمنين111 وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين112 }

مقضيا نبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ، فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال ، فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما مثلا { بشرناه } بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحق نبيا من الصالحين ، ومع ذلك لا يصير نظير قوله : { فادخلوا خالدين } فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد ، ومن فسر الذبيح بإسحق جعل المقصود من البشارة نبوته ، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق .