الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (112)

قوله : { نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ } : نصبٌ على الحالِ ، وهي حال مقدرة . قال الشيخ : " إن كان الذَّبيحُ إسحاقَ فيظهر كونُها حالاً مقدرةً ، وإنْ كان إسماعيلُ هو الذبيحَ ، وكانت هذه البشارةُ بِشارةً بولادة إسحاقَ ، فقد جَعَلَ الزمخشريُّ ذلك مَحَلَّ سؤالٍ قال : " فإنْ قلتَ : فرقٌ بين هذا وبين قولِه :

{ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] : وذلك أنَّ المَدْخولَ موجودٌ مع وجودِ الدخول ، والخلودُ غيرُ موجودٍ معهما فقدَّرْت : مُقَدِّرين الخلودَ فكان مستقيماً ، وليس كذلك المبشَّرُ به ، فإنه معدومٌ وقتَ وجودِ البشارةِ ، وعَدَمُ المبشَّرُ به أوجَبَ عدمَ حالِه ؛ لأن الحالَ حِلْيَةٌ لا تقومُ إلاَّ بالمُحَلَّى ، وهذا المبشَّرُ به الذي هو إسحاقُ حين وُجد لم تُوْجَدْ النبوَّةُ أيضاً بوجودِه بل تراخَتْ عنه مدةً طويلةً ، فكيف يُجْعل " نبيَّاً " حالاً مقدرةً ، والحالُ صفةٌ للفاعلِ والمفعولِ عند وجودِ الفعل منه أو به ؟ فالخلودُ وإنْ لم يكنْ صفتَهم عند دخولِ الجنة فتَقدِّرُها صفتَهم ؛ لأنَّ المعنى : مقدِّرين الخلودَ وليس كذلك النبوةُ ، فإنَّه لا سبيلَ إلى أَنْ تكونَ موجودةً أو مقدرةً وقتَ وجودِ البِشارة بإسحاقَ لعدم إسحاق ؟ قلت : هذا سؤالٌ دقيقٌ المَسْلَكِ . والذي يَحِلُّ الإِشكالَ : أنه لا بُدَّ مِنْ تقديرِ مُضافٍ محذوف وذلك قولُه : وبَشَّرْناه بوجودِ إسحاقَ نبياً أي : بأَنْ يُوْجِد مَقْدرةَ نبوَّتِه ، فالعاملُ في الحال الوجودُ/ لا فعلُ البشارة وبذلك يَرْجِعُ نظيرَ قولِه تعالى : { فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] . انتهى . وهو كلامٌ حَسَنٌ .

قوله : " من الصالحين " يجوز أَنْ يكونَ صفةً ل " نَبِيَّاً " ، وأَنْ يكونَ حالاً من الضمير في " نبيَّاً " فتكونَ حالاً متداخلةً . ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثانية . قال الزمخشري : " وُرُوْدُها على سبيلِ الثناءِ والتقريظ ؛ لأنَّ كلّ نبيّ لا بُدَّ أَنْ يكونَ من الصالحين " .