معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} (207)

قوله تعالى : { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } به في تلك السنين . والمعنى : أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً ، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} (207)

ثم بين - سبحانه - أن ما فيه هؤلاء المجرمون من متاع ونعمة، سينسونه نسيانًا تاما عندما يمسهم العذاب المعد لهم، فقال - تعالى -: { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } .

وقوله : { أَفَرَأَيْتَ } معطوف على قوله : { فَيَقُولُواْ . . } والاستفهام للتعجب من أحوالهم .

والمعنى : إن شأن هؤلاء المجرمين لموجب للعجب : إنهم قبل نزول العذاب بهم يستعجلونه ، فإذا ما نزل بساحتهم قالوا - على سبيل التحسر والندم - : هل نحن منظرون .

اعلم - أيها الرسول الكريم - أننا حتى لو أمهلناهم وأخرناهم ، ثم جاءهم عذابنا بعد ذلك ، فإن هذا التمتع الذى عاشوا فيه ، وذلك التأخير الذى لو شئنا لأجبناهم إليه . . . كل ذلك لن ينفعهم بشىء عند حلول عذابنا ، بل عند حلول عذابنا بهم سينسون ما كانوا فيه من متاع ومن نعيم ومن غيره .

قال الإمام ابن كثير : وفى الحديث الصحيح : يؤتى بالكافر فيغمس فى النار غمسة ثم يقال له : هل رأيت خيراً قط ؟ فيقول : لا والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان فى الدنيا ، فيصبغ فى الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا والله يا رب .

ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - يتمثل بهذا البيت :

كأنك لم تُؤتَر من الدهر ليلة . . . إذا أنت أدركت الذى كنت تطلب

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} (207)

192

ولقد كانوا يستعجلون عذاب الله ، على سبيل الاستهزاء والاستهتار ، واغترارا بما هم فيه من متاع ، يبلد حسهم ، ويجعلهم يستبعدون النقلة منه إلى العذاب والنكال . شأنهم شأن ذوي النعمة قلما يخطر ببالهم أن تزول ؛ وقلما يتصورون أن تحول . فهو يوقظهم هنا من هذه الغفلة ، ويرسم لهم صورتهم حين يحل بهم ما يستعجلون :

( أفبعذابنا يستعجلون ? أفرأيت إن متعناهم سنين ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) . .

فيضع صورة الاستعجال بالعذاب في جانب . وفي الجانب الآخر تحقق الوعيد . وإذا سنون المتاع ساقطة كأنها لم تكن ، لا تغني عنهم شيئا ، ولا تخفف من عذابهم .

وفي الحديث الصحيح : " يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط ? هل رأيت نعيما قط ? فيقول : لا والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ? فيقول : لا والله يا رب

" . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} (207)

ثم قال : { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } أي : لو أخرناهم وأنظرناهم ، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال ، ثم جاءهم أمر الله ، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم ، { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] ، وقال تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ } [ البقرة : 96 ] ، وقال تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } [ الليل : 11 ] ؛ ولهذا قال : { مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } .

وفي الحديث الصحيح : " يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة{[21872]} ، ثم يقال له : هل رأيت خيرًا قط ؟ هل رأيت نعيمًا قط ؟ فيقول : لا [ والله يا رب ]{[21873]} . ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسًا قط ؟ فيقول : لا والله يا رب " أي : ما كأن شيئًا كان{[21874]} ؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت :

كأنَّك لَمْ تُوتِر من الدّهْر لَيْلَةً *** إذا أنْتَ أدْرَكْتَ الذي كنتَ تَطْلُبُ


[21872]:- في ف : "فيغمس غمسة في النار".
[21873]:- زيادة من ف ، أ ، والمسند.
[21874]:- رواه أحمد في مسنده (3/203) من حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه.

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} (207)

{ ثم جاءهم } معطوف على جملة الشرط المعترضة ، و { ثم } فيه للترتيب والمهلة ، أي جاءهم بعد سنين . وفيه رمز إلى أن العذاب جائيهم وحالّ بهم لا محالة . و { ما كانوا يوعدون } موصول وصلته . والعائد محذوف تقديره : يوعدونه .

جملة : { ما أغنى عنهم } سادة مسدّ مفعولي ( رأيتَ ) لأنه معلَّق عن العمل بسبب الاستفهام بعده . و { ما كانوا يمتعون } موصول وصلتُه . والعائد محذوف تقديره : يمتعونه .

والمعنى : أعلمتَ أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتدادُه سنين عديدة غير مغن عنهم شيئاً إن جاءهم العذاب بعد ذلك . وهذا كقوله تعالى : { ولئن أخَّرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولُنّ ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن } [ هود : 8 ] ، وذلك أن الأمور بالخواتيم . في « تفسير القرطبي » : روى ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ : { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمَتّعون } ثم يبكي ويقول :

نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم

فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم *** ولا أنت في النّوّام ناج فسالم

تُسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى *** كما سُرّ باللذات في النوم حالم

وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم

ولم أقف على صاحب هذه الأبيات قال ابن عطية : ولأبي جعفر المنصور قصة في هذه الآية . ولعل ما روُي عن عمر بن عبد العزيز رُوي مثيله عن المنصور .